حرب غزة والملف النووي الإيراني.. ضغوط إسرائيلية ومفاوضات أميركية في منعطف حاسم

تشير تطورات الأيام الأخيرة إلى تصاعد التوترات على جبهتين رئيسيتين في السياسة الخارجية الأميركية: الحرب الإسرائيلية على غزة، والمفاوضات النووية مع إيران. وتنعكس هذه التوترات في اجتماع غير معلن وغير تقليدي، جمع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب بوزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، أحد أبرز المقربين من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. الاجتماع، الذي كشف عنه موقع "أكسيوس"، يعكس محاولات إسرائيل التأثير المباشر على سياسات واشنطن إزاء طهران وغزة، وسط ما تعتبره تل أبيب تراجعاً أميركياً عن مواقفها السابقة تجاه إيران.
أولاً: السياق والتوقيت
عُقد اللقاء في البيت الأبيض، قبل أيام من انطلاق الجولة الرابعة من المحادثات النووية الأميركية – الإيرانية، المقررة في سلطنة عُمان. ويأتي الاجتماع وسط ظروف شديدة الحساسية، حيث أعلن ترمب بشكل مفاجئ عن هدنة مع الحوثيين، بينما صعّدت إسرائيل عملياتها ضد أهداف يمنية، في سياق الرد على هجوم استهدف مطار "بن غوريون".
هذا التداخل في الملفات يعكس تراجعاً واضحاً في التنسيق التقليدي بين واشنطن وتل أبيب. فبحسب مصادر إسرائيلية، لم يتم إبلاغ الحكومة الإسرائيلية مسبقاً بشأن الترتيبات الأميركية، وهو ما أثار دهشة وغضب صانعي القرار في إسرائيل. وقد وصف أحد المسؤولين الإسرائيليين الموقف بالقول: "علمنا من التلفزيون"، في إشارة إلى غياب التنسيق المسبق.
ثانياً: الضغوط الإسرائيلية
يسعى نتنياهو عبر مبعوثه ديرمر، إلى دفع إدارة ترمب للنظر في الخيار العسكري ضد إيران، في ظل تصاعد شكوك إسرائيل في فعالية المسار الدبلوماسي. إسرائيل تعتبر أن أي اتفاق نووي جديد قد يمنح إيران متنفساً اقتصادياً دون ضمانات حقيقية لوقف برنامجها النووي، خاصة في ظل ما تعتبره "ضعفاً في أنظمة الرقابة والتفتيش" وفقاً للتجربة السابقة مع اتفاق 2015.
إلى جانب الملف الإيراني، وضعت إسرائيل أيضاً مهلة زمنية تنتهي بزيارة ترمب المرتقبة إلى المنطقة، للتوصل إلى اتفاق بشأن الرهائن ووقف إطلاق النار في قطاع غزة. وتلوّح تل أبيب بخيار شنّ عملية عسكرية شاملة، قد تشمل احتلال القطاع بالكامل، إذا فشلت جهود الوسطاء المصريين والقطريين في إقناع "حماس" بإطلاق سراح بعض الرهائن مقابل هدنة مؤقتة. غير أن الحركة الفلسطينية ترفض هذا السيناريو، وتربط إطلاق سراح الرهائن بوقف دائم للعدوان.
ثالثاً: موقف واشنطن وتقدم المفاوضات النووية
على الجانب الأميركي، ورغم اللقاء "الخاص" بين ترمب وديرمر، فإن الرسائل القادمة من واشنطن تحمل نبرة مختلفة. فقد أعلن نائب الرئيس جي دي فانس أن المحادثات مع إيران تسير بشكل إيجابي، وأكد أن الولايات المتحدة تسعى لاتفاق يحقق توازناً بين دمج إيران في الاقتصاد العالمي، ومنعها من امتلاك السلاح النووي. واعتبر أن الاتفاق السابق "احتوى على ثغرات"، لكنه لمّح إلى إمكانية تجاوزها في الصيغة الجديدة.
تُعقد الجولة الرابعة من هذه المفاوضات الأحد المقبل في مسقط، برئاسة عباس عراقجي من الجانب الإيراني، في حين يقود الفريق الأميركي ستيف ويتكوف، الذي يلعب أيضاً دوراً في إدارة المفاوضات غير المباشرة مع "حماس".
كما تكشف هذه التطورات عن تباينات واضحة بين المصالح الإسرائيلية والسياسات الأميركية، لا سيما في ما يخص الملف الإيراني. وبينما تدفع تل أبيب باتجاه حسم عسكري، تراهن واشنطن – ولو في عهد ترمب – على التفاوض والضغط الدبلوماسي. أما في غزة، فإن إسرائيل تلوّح بورقة التصعيد الشامل، ما يضع المنطقة أمام خيارين متضادين: اتفاقات تهدئة هشة أو انفجار عسكري مفتوح.