اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

من بغداد إلى أصفهان.. ترمب يكرر سيناريو بوش ويجبر الاستخبارات على تبنّي روايته

إيران
إيران

في تطور يعيد إلى الأذهان ممارسات غزو العراق عام 2003، تبنت أجهزة الاستخبارات الأميركية رواية الرئيس دونالد ترمب حول "نجاح" الضربات الجوية الأميركية التي استهدفت منشآت نووية إيرانية. وعلى الرغم من الشكوك التي أبدتها وسائل إعلام دولية حول حجم التأثير الحقيقي لتلك الضربات، سارع كبار المسؤولين الأميركيين إلى تأييد خطاب ترمب، تماماً كما حدث مع إدارة جورج بوش الابن إبان غزو العراق.


الاستخبارات في خدمة القرار السياسي


بحسب ما أوردته صحيفة الغارديان، فإن ما يجري الآن يعكس تكراراً واضحاً لمفهوم "الاستخبارات المنتقاة" أو selective intelligence، وهي آلية توظيف المعلومات الاستخبارية بطريقة تُصمم لخدمة قناعات سياسية مسبقة. وهو ما كان سائداً خلال الإعداد لغزو العراق، حيث عملت إدارة بوش على تضخيم معلومات محددة تؤكد أن نظام صدام حسين يمتلك أسلحة دمار شامل، متجاهلة تقارير أكثر تحفظاً.
السيناريو الحالي يبدو مشابهاً، إذ تقول الغارديان إن إدارة ترمب – وبدلاً من تقديم تقييم استخباراتي موضوعي – لجأت إلى صياغة تصريحات استعراضية، بلغت حد الزعم بأن الهجمات على منشآت إيران النووية تعادل ضربتي هيروشيما وناغازاكي من حيث التأثير.


تقييمات متناقضة.. الهوة بين الواقع والمزاعم


رغم تصريحات ترمب التي تحدث فيها عن "تدمير كامل" لمنشآت أصفهان ونطنز وفوردو، فإن تقارير استخباراتية مسربة لاحقاً – خاصة من وكالة استخبارات الدفاع – قدّرت أن الضربات ربما أخّرت البرنامج النووي الإيراني لبضعة أشهر فقط، وأن طهران نقلت جزءاً كبيراً من اليورانيوم المخصب قبل الهجوم.


في المقابل، تمسك ترمب ومساعدوه بنفيهم لنقل أي مواد نووية، دون تقديم أدلة تدحض التقارير الاستخباراتية، مما يعكس – كما تقول الصحيفة – إصراراً على تسييس المعلومة الأمنية.

أبرز ما يكشف عن الأزمة العميقة في منظومة القرار الأميركي، هو خضوع مسؤولي الاستخبارات لضغوط ترمب. فمديرة الاستخبارات الوطنية، تولسي غابارد، التي سبق أن أقرت بأن إيران لا تعمل حالياً على تصنيع سلاح نووي، تراجعت عن تصريحاتها لاحقاً تحت ضغط سياسي، مشيرة إلى أنها "أُخرجت من السياق" من قبل وسائل إعلام "غير نزيهة".


ومع غياب الشفافية، فإن المعلومات الاستخبارية لم تعد أداة للتحقق أو التحليل، بل تحولت إلى "بيان ولاء"، كما تصف الصحيفة، في نظام باتت فيه الأجهزة الأمنية مجبرة على الانسجام مع الرواية الرسمية، بصرف النظر عن الدقة أو الواقع.


ترمب والحدس مقابل الحقائق


في دفاعه عن تجاوز تقييمات الاستخبارات، قال نائب الرئيس جيه دي فانس: "نحن نثق بأجهزتنا، لكننا نثق أيضاً بحدسنا". وهذا التصريح يكشف عن توجه متكرر في نهج ترمب، الذي سبق أن شكك في تدخل روسيا بالانتخابات الرئاسية الأميركية، مفضلاً تصديق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على وكالاته الأمنية.


تفضيل "الحدس" على التحليل المؤسسي المهني، ظهر جلياً أيضاً في تعامل ترمب مع الاتفاق النووي الإيراني، الذي انسحب منه في 2018 بناءً على قناعات شخصية وبدعم من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي طالما حذّر من الخطر الإيراني.


خطر تغييب التحقيق والتقييم الموضوعي


تشير الغارديان إلى أن أخطر ما في المشهد ليس بالضرورة نتيجة الضربات نفسها، بل في المناخ السياسي الذي بات يمنع التحقيق في الحقائق. فبدلاً من أن تعمل أجهزة الاستخبارات على جمع الأدلة وتحليلها بحيادية، أصبح يُتوقع منها أن تكون أداة لتبرير الخطاب الرئاسي، مما يقوّض استقلالها وفاعليتها.