جبهتان من الجحيم.. تصعيد الاحتلال في غزة وطولكرم بين الإبادة والتهجير

شهد قطاع غزة والضفة الغربية، ولا سيما مخيمي طولكرم ونور شمس، تصعيداً إسرائيلياً هو من الأعنف منذ بداية العدوان في 7 أكتوبر 2023. ففي غزة، تتواصل الغارات الجوية والقصف المدفعي بوتيرة عالية، مخلفة مزيداً من الشهداء والدمار في مختلف مناطق القطاع، بينما تشهد الضفة الغربية ممارسات ممنهجة من الهدم والتهجير القسري، توازيها حملة أمنية شاملة تستهدف البنية المجتمعية والمادية لسكان المخيمات.
دماء الأطفال تحت أنقاض المدارس والمنازل
استشهد ما لا يقل عن 11 مواطناً فلسطينياً منذ صباح اليوم الخميس، جراء سلسلة من الغارات التي شنتها طائرات الاحتلال الحربية والمروحية على مناطق متفرقة من قطاع غزة. إحدى الغارات استهدفت منزلاً في محيط مدرسة السوارحة جنوب غرب النصيرات، حيث استُشهد مواطن على الفور، كما نُقل جثمانه إلى مستشفى العودة.
وفي حي الشجاعية شرق مدينة غزة، استُشهد مواطن بنيران طائرة مسيّرة بالتزامن مع قصف مدفعي مكثف استهدف شرق الحي وحي التفاح المجاور، مما تسبب في تدمير واسع للمنازل والبنية التحتية. كما ارتفع عدد الشهداء في بلدة بيت لاهيا شمال القطاع إلى 9، إثر قصف استهدف محيط مدرسة "ريان تل الربيع"، ما يؤكد استمرار الاحتلال في استهداف المنشآت التعليمية رغم احتضانها للنازحين.
الغارات لم تفرق بين طفل وامرأة أو لاجئ ونازح؛ فقد استُشهدت طفلة إثر قصف مدفعي على خيام النازحين غرب خان يونس، بينما أُردي طفل آخر برصاص قناصة الاحتلال في محيط مخيم الصمود في المواصي. هذا التوسع في استهداف المدنيين والأماكن التي من المفترض أن تكون آمنة يعكس سياسة ممنهجة للإبادة الجماعية.
كما شهد بحر خان يونس اعتداءً على صيادين فلسطينيين بنيران الزوارق الحربية، بينما قصفت المدفعية منطقة "البطن السمين" في دير البلح، وهو ما يبرهن على اتساع رقعة العدوان لتشمل البر والبحر في آن واحد.
طولكرم ونور شمس.. حصار وهدم وتشريد جماعي
في الضفة الغربية، وتحديداً في مدينة طولكرم ومخيميها (طولكرم ونور شمس)، تواصل قوات الاحتلال عملياتها العسكرية لليوم الـ102 على التوالي، وسط حصار خانق وإجراءات عقابية جماعية تطال السكان والبنية التحتية على حد سواء.
شهد المخيمان تصعيداً واسعاً تخلله مداهمات وهدم لمنازل سكنية، حيث تم إخطار 15 عائلة فلسطينية بهدم منازلها في ثلاث مناطق مختلفة، ضمن سياسة تهدف إلى إفراغ المناطق من سكانها الأصليين. ويُذكر أن الاحتلال كان قد هدم 106 بنايات خلال أيام، منها 58 في مخيم طولكرم و48 في مخيم نور شمس.
وشملت عمليات الهدم مناطق ذات كثافة سكانية مثل حارات المنشية والمسلخ، إضافة إلى أحياء قريبة من المسجد والعيادة، مما تسبب في تهجير قسري لأكثر من 4200 عائلة، أي ما يزيد عن 25 ألف مواطن، وفق تقديرات محلية.
وترافقت هذه العمليات مع تدمير جزئي أو كلي لأكثر من 2900 منزل، بالإضافة إلى الاستيلاء على منازل وتحويلها إلى ثكنات عسكرية، ومنع الدخول والخروج منها إلا بتفتيش جسدي دقيق وموافقة مسبقة.
ضحايا وبنية منهكة.. وتضييق على أبسط الحقوق
أسفرت عمليات الاحتلال في طولكرم ومخيم نور شمس عن استشهاد 13 مواطناً، بينهم طفل وامرأتان، إحداهما حامل، إضافة إلى إصابات كثيرة واعتقال العشرات، بينما تم حرق ونهب ممتلكات خاصة بما في ذلك سيارات، ومحال تجارية، ومنازل.
ما يُلفت في هذه الهجمات هو التزامن الواضح بين عمليات الهدم والقصف وبين تشديد الحصار، بما يشير إلى نية واضحة في تدمير المقومات الحياتية والاقتصادية للمخيمات، ما يُعد شكلاً من أشكال العقاب الجماعي المحظور بموجب القانون الدولي.
عدوان مزدوج وأزمة إنسانية غير مسبوقة
ما يجري اليوم في غزة وطولكرم هو تجسيد عملي لسياسة الاحتلال القائمة على الإبادة من جهة والتهجير القسري من جهة أخرى. فبينما تُرتكب في غزة جرائم إبادة جماعية طالت حتى الآن أكثر من 171 ألف شهيد وجريح، معظمهم من النساء والأطفال، تتعرض الضفة الغربية لحملة تطهير مكاني ونفسي تهدف إلى تفريغ الأرض من سكانها.
السكوت الدولي المستمر وغياب المحاسبة القانونية يضعان علامات استفهام كبرى على فعالية النظام الدولي في حماية الشعوب المحتلة. ومع دخول هذه المأساة شهرها الثامن، تتزايد الحاجة إلى تحرك عاجل وجاد، ليس فقط لوقف العدوان، بل لمحاسبة مرتكبيه على جرائمهم ضد الإنسانية.