اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

ضربة مؤجلة.. كيف خططت أمريكا 15 عاماً لاستهداف منشأة فوردو النووية؟

رئيس الأركان
رئيس الأركان

في واحدة من أكثر العمليات العسكرية دقة وتخطيطاً في العقود الأخيرة، كشف رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، الجنرال دان كين، عن أن الضربة الجوية التي استهدفت منشأة "فوردو" الإيرانية لتخصيب الوقود النووي يوم السبت، كانت ثمرة تحضير استمر لنحو 15 عاماً. التصريح الذي أدلى به كين أمام الصحافة، ونقلته صحيفة نيويورك بوست، يسلط الضوء على عمق وتعقيد الحسابات العسكرية الأميركية في مواجهة ما تعتبره تهديداً وجودياً من البرنامج النووي الإيراني.


منشأة فوردو: التهديد المحصن تحت الجبل


بدأت القصة في عام 2009، عندما علمت الولايات المتحدة لأول مرة بوجود منشأة "فوردو"، والتي تقع في سفح جبل وتبعد نحو نصف ميل تحت الأرض. طبيعة المنشأة المحصنة والمخفية دفعت وكالة الدفاع المعنية بخفض التهديدات (DTRA) إلى تقييم عسكري خلص إلى أن الترسانة الأميركية آنذاك تفتقر إلى سلاح قادر على تدمير مثل هذا الهدف عالي التحصين بشكل فعال.


ولادة قنبلة "GBU-57": صناعة السلاح من رحم التهديد


تبعاً لهذا التقييم، بدأت فرق من العلماء والمهندسين الأميركيين، كثير منهم حاصلون على درجات دكتوراه، في تطوير قنبلة خارقة للتحصينات قادرة على النفاذ إلى المنشآت المدفونة بعمق كبير. النتيجة كانت قنبلة "GBU-57"، والتي تزن 30 ألف رطل، وتُعدّ اليوم أكبر سلاح تقليدي في ترسانة البنتاغون.
وأوضح كين أن تطوير هذا السلاح كان نتاج تعاون وثيق بين وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، وقطاعات الصناعة الدفاعية، وخبراء تكتيكيين، واستُخدمت فيه عمليات محاكاة متقدمة لدرجة أن وزارة الدفاع أصبحت - دون إعلان - أكبر مستخدم لساعات العمل على الحواسيب العملاقة في الولايات المتحدة.


التسليح بوصفه علماً استخباراتياً


أكد كين أن علم التسليح لا يتوقف عند تصميم السلاح، بل يشمل تحليلاً استخبارياً معقداً للهدف، لتحديد نقطة الضعف المركزية فيه. في حالة "فوردو"، ركّزت الاستراتيجية الأميركية على فتحتين للتهوية، تم تحديدهما كمدخلين مناسبين لاختراق المبنى المدفون. وقد صُممت الفتائل في القنابل لتعمل بعد تأخير محدد، يسمح للسلاح بالوصول إلى عمق كافٍ قبل الانفجار، ما يضمن أقصى قدر من التدمير الداخلي.

الهجوم.. تتويج لتجارب ميدانية مطولة


خضعت القنابل لاختبارات متكررة على أهداف تحاكي الواقع، في تجارب ميدانية تهدف إلى التأكد من فاعلية السلاح. ولم تُترك أية تفاصيل للصدفة، حيث أُخذت في الاعتبار زوايا السقوط، واتجاه القصف، وتأثيرات الانفجار. ووفقاً لكين، فإن كل تجربة كانت خطوة نحو اللحظة التي تم فيها استخدام القنبلة فعلياً ضد فوردو.

قراءة في التوقيت والرسائل


إن توجيه هذه الضربة بعد سنوات من التخطيط، وفي هذا التوقيت بالذات، يحمل دلالات جيوسياسية عميقة. فهي لا تعبّر فقط عن تطور في القدرات الأميركية على استهداف البنية التحتية النووية المحصنة، بل ترسل رسالة مباشرة إلى إيران والمنطقة مفادها أن واشنطن لا تزال تمتلك زمام المبادرة، وأنها لن تتردد في استخدام القوة حال تجاوز الخطوط الحمراء النووية.