المساعدات تحت الحراسة.. خطة أميركية لتوزيع الإغاثة في غزة عبر شركات خاصة وسط أزمة جوع خانقة

تشهد غزة واحدة من أشد الأزمات الإنسانية في تاريخها، حيث تحول الحصار المستمر منذ مارس الماضي، إلى شبح مجاعة حقيقية أعلنها رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى رسميًا، في ظل حرب إسرائيلية مدمرة قضت على معظم البنية التحتية للقطاع. وبينما يعاني سكان غزة، البالغ عددهم نحو 2.3 مليون نسمة، من نقص حاد في الغذاء والدواء، تتكثف الجهود الدولية لإيجاد آلية جديدة لإيصال المساعدات، في ظل تحديات أمنية وسياسية متشابكة.
وفي هذا السياق، أعلنت الولايات المتحدة، على لسان سفيرها لدى إسرائيل مايك هاكابي، عن خطة جديدة لتوزيع المساعدات الإنسانية عبر "شركات خاصة"، مؤكدًا أن هذه الخطة لا ترتبط بوقف إطلاق النار، وأن إسرائيل لن تكون طرفًا مباشرًا فيها، لكنها ستوفر الحماية الأمنية للمسارات اللوجستية.
ملاحظات جوهرية في الخطة الأميركية
فصل المساعدات عن التهدئة السياسية
الولايات المتحدة، عبر تصريحات هاكابي، أوضحت أن توزيع المساعدات لن ينتظر اتفاقًا لوقف إطلاق النار. هذا يثير تساؤلات حول مدى فعالية توزيع الإغاثة في بيئة حرب مستمرة، ومدى قدرتها على الوصول للمدنيين المستهدفين دون تعريضهم للخطر.
إسناد المهام لشركات أمن خاصة
اللافت في الخطة هو الاعتماد على "شركات أمن خاصة" لتأمين عملية التوزيع، في خطوة أثارت مخاوف قانونية وإنسانية. رفض السفير الأميركي الإفصاح عن قواعد الاشتباك أو صلاحيات هذه الشركات، مكتفيًا بالقول إنها "تتماشى مع القانون الإنساني الدولي". هذا الغموض يفتح الباب لتأويلات واحتمالات خرق القوانين الدولية أو عسكرة الإغاثة.
منظمات غير ربحية وغموض في الهوية
أشار هاكابي إلى أن "منظمات غير ربحية" ستشارك في التنفيذ، لكن دون الكشف عن تفاصيل، ما يعكس غياب الشفافية. في ذات الوقت، تحدثت وثائق مسربة عن تأسيس "مؤسسة إغاثة غزة" حديثًا، ستنشئ أربعة مواقع توزيع آمنة، كل منها يخدم 300 ألف شخص، تُنقل إليها المساعدات بواسطة مركبات مصفحة، ضمن ممرات خاضعة لرقابة مشددة.
رفض دولي وتحذيرات أممية
قوبلت الخطة بانتقادات واسعة من منظمات الإغاثة وقادة أوروبيين، إذ عبّرت الأمم المتحدة عن شكوكها حيال فاعلية الخطة، محذّرة من أنها "غير قابلة للتنفيذ عمليًا، وغير متوافقة مع المبادئ الإنسانية، وتخلق مخاطر أمنية جسيمة". يُضاف إلى ذلك أن إسرائيل، رغم تصريحاتها بعدم التورط المباشر، تظل الطرف المسيطر على المعابر، ما يطرح تساؤلات حول قدرتها على الالتزام بحيادها المزعوم.
الشكوك في النوايا والجدوى
المنظمات الإغاثية، ومنها "وورلد سنترال كيتشن"، سبق أن انسحبت بسبب استهداف موظفيها، ما يثير الشك في مدى أمان الخطة الأميركية المقترحة. كما أن التوقيت المتأخر للخطة بعد أشهر من الحصار، يجعلها تبدو كمحاولة سياسية أكثر منها استجابة عاجلة لأزمة إنسانية حقيقية.
كما تعكس الخطة الأميركية لتوزيع المساعدات عبر شركات خاصة تحولًا جوهريًا في إدارة الأزمات الإنسانية، لكن هذا التحول يكتنفه كثير من الغموض والتحديات، سواء من حيث الشفافية، أو القانون الدولي، أو الواقع الميداني في قطاع غزة. وبينما تبقى الأرواح على المحك، يظل مصير المساعدات مرهونًا بإرادة سياسية دولية تتجاوز الشعارات، وتضع أولوية حقيقية لحياة المدنيين، وليس لإدارة الأزمة من خلف الشاشات.