مشروع ترمب الضريبي يشعل انقساماً في واشنطن.. تمرير أولي وسط خلافات حزبية وتحذيرات من ركود اقتصادي

في لحظة وصفها الرئيس الأميركي دونالد ترمب بـ"الانتصار العظيم"، اجتاز مشروعه الاقتصادي الطموح أول اختبار فعلي في مجلس الشيوخ، بعدما حصل على تأييد 51 عضواً مقابل رفض 49. ورغم الاحتفال الجمهوري بتمرير المشروع في مرحلة إجرائية أولى، إلا أن المؤشرات تشير إلى معركة أكثر تعقيداً بانتظار هذا التشريع في الأيام المقبلة، في ظل الانقسامات داخل الحزب الجمهوري نفسه، واحتدام المعارضة الديمقراطية، وهجمات علنية من شخصيات اقتصادية نافذة مثل إيلون ماسك.
أولويات ترمب الاقتصادية: تخفيضات ضريبية وتوسيع في الدفاع
مشروع القانون، الذي أطلق عليه ترمب اسم "القانون الكبير الجميل الموحد"، يتضمن خفضاً واسعاً في الضرائب الفيدرالية، بالإضافة إلى زيادات كبيرة في مخصصات وزارتي الدفاع والأمن الداخلي، مع تقليص كبير لبرامج الرعاية الاجتماعية، لا سيما "ميديكيد". ويرى ترمب وحلفاؤه أن هذا التعديل سيعزز الاقتصاد الأميركي ويعيد رسم خريطة الأولويات الوطنية، من خلال تقليص الإنفاق الحكومي غير الضروري، وتوجيه الموارد نحو الدفاع وتأمين الحدود.
لكن المشروع، رغم طابعه الاقتصادي، يتجاوز الحسابات المالية البحتة إلى حسابات انتخابية عميقة، إذ يمثل حجر الزاوية في البرنامج السياسي لترمب مع اقتراب الانتخابات الرئاسية. ويتوقع أن يستخدم ترمب تمرير المشروع – أو حتى مجرد التقدم فيه – كورقة رئيسية في حملته المقبلة لاستعادة البيت الأبيض.
تعقيدات المشهد الجمهوري: انتصارات جزئية تحت ضغط
ما يُثير الانتباه أن التصويت تم بشق الأنفس، وسط مطالب متزايدة من نواب جمهوريين محافظين بإجراء تعديلات جوهرية قبل دعمهم النهائي. فقد اضطر قادة الحزب إلى ترك التصويت الإجرائي مفتوحاً لساعات طويلة، بينما كان الضغط جارياً لكسب تأييد الأصوات المترددة، حتى وصل الأمر لاستدعاء نائب الرئيس جي دي فانس لكسر أي تعادل محتمل.
وفي محاولة لامتصاص الغضب الداخلي، شملت النسخة المعدلة من مشروع القانون عدة تنازلات، منها إنشاء صندوق بـ25 مليار دولار لدعم المستشفيات الريفية، وتسريع إلغاء الإعفاءات الضريبية عن الطاقة المتجددة، ورفع سقف خصم الضرائب المحلية وضرائب الولايات – وهي مطالب جوهرية لجناح الحزب الأكثر تشدداً.
الديمقراطيون: هدية للأثرياء وضرر للفقراء
على الجانب الآخر، اتخذ الديمقراطيون موقفاً هجومياً صارماً، معتبرين أن المشروع لا يُمثل سوى محاولة "لإثراء الأغنياء على حساب الفقراء"، على حد وصفهم. زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، اتهم الجمهوريين بمحاولة تمرير مشروع قانون "متطرف"، مطالباً بقراءته علناً أمام المجلس لإبراز تفاصيله المثيرة للجدل. كما حذر الديمقراطيون من أن المشروع يُضعف البرامج الاجتماعية التي يعتمد عليها الملايين من الأميركيين ذوي الدخل المحدود.
تحذيرات اقتصادية.. وأزمة ديون تلوح
لا تقتصر المعارضة على الجانب السياسي فقط، فقد هاجم الملياردير إيلون ماسك مشروع القانون بشدة، واصفاً إياه بـ"المدمر والمجنون"، مشيراً إلى أنه سيُلحق ضرراً استراتيجياً فادحاً باقتصاد الولايات المتحدة، ويقوّض صناعات المستقبل لصالح "هبات لصناعات الماضي". وذهب ماسك إلى حد القول إن المشروع يمثل "انتحاراً سياسياً للحزب الجمهوري".
التحذيرات الأكثر إثارة للقلق جاءت من جهات مالية محايدة، إذ قدّرت لجنة الميزانية الفيدرالية أن النسخة الحالية من القانون ستُضيف ما يصل إلى 4 تريليونات دولار إلى الدين القومي خلال العقد المقبل، ما يرفع العبء على كاهل الحكومة الأميركية التي تعاني أساساً من دين تجاوز الـ36 تريليون دولار.
هل ينجو المشروع؟
رغم تمرير المشروع في مرحلته الأولى، إلا أن الطريق لا يزال طويلاً أمامه. إذ يتعين على قادة الحزب الجمهوري إجراء توازن دقيق بين مطالب جناحهم المحافظ والضغوط السياسية من إدارة ترمب، وسط معارضة ديمقراطية شرسة وتحذيرات متزايدة من تأثيراته الاقتصادية والاجتماعية بعيدة المدى.
الأيام المقبلة ستكون حاسمة، ليس فقط لمصير المشروع، بل لمصير أجندة ترمب الاقتصادية، وربما لمستقبله السياسي بأكمله.