اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

غرينلاند بين الطموح الأمريكي والسيادة الدنماركية.. حرب استخباراتية باردة في القطب الشمالي

غرينلاند
غرينلاند

في تصعيد لافت للحرب الباردة الجيوسياسية حول الموارد القطبية والممرات الاستراتيجية، كشفت تقارير استخباراتية أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد كثّفت جهودها الاستخباراتية تجاه جزيرة غرينلاند، وهو ما يفتح الباب لتساؤلات حول أهداف واشنطن المستقبلية في المنطقة، ومخاطر عسكرة التنافس على القطب الشمالي.
وفقاً لما نشرته صحيفة وول ستريت جورنال، فإن وكالات الاستخبارات الأمريكية – وعلى رأسها وكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، ووكالة استخبارات الدفاع (DIA)، ووكالة الأمن القومي (NSA) – تلقت الأسبوع الماضي توجيهات واضحة من مكتب مديرة الاستخبارات الوطنية، تولسي غابارد، بضرورة تسريع وتكثيف عمليات جمع المعلومات حول الجزيرة الدنماركية التي تتمتع بالحكم الذاتي.

دعم سياسي ومخاطر أمنية

المعلومات الاستخباراتية المطلوبة لا تقتصر فقط على الجوانب الجيوسياسية والعسكرية، بل تتعداها إلى رصد المواقف المحلية، وتحديد الشخصيات أو الجهات في كل من غرينلاند والدنمارك التي قد تتعاطف مع فكرة انتقال الجزيرة إلى السيادة الأمريكية، وهو ما يضع أجهزة الاستخبارات في قلب نزاع سياسي داخلي لدولة حليفة، وينذر بتداعيات دبلوماسية معقدة.
تتضمن الوسائل المقترحة لتحقيق هذه الأهداف الاستخباراتية استخدام الأقمار الاصطناعية، وتقنيات التنصت على الاتصالات، إضافة إلى الاستخبارات البشرية. ويُظهر ذلك حجم الجدية التي توليها واشنطن لهذا الملف، وتحوله إلى أولوية استراتيجية في ملفات الأمن القومي الأمريكي.


غابارد تهاجم الإعلام وتتهم "الدولة العميقة"


مديرة الاستخبارات الوطنية، تولسي غابارد، لم تُنكر فحوى التقرير لكنها انتقدت بشدة الصحيفة، متهمة إياها بالمشاركة في جهود "الدولة العميقة" لتقويض الرئيس ترامب من خلال تسريب معلومات سرية وتسييس الأمن القومي، في لهجة تُعيد إلى الأذهان صدامات ترامب السابقة مع مؤسسات الأمن والاستخبارات والإعلام.

القطب الشمالي ساحة صراع جديدة

اهتمام ترامب المتكرر بغرينلاند ليس جديداً؛ ففي عام 2019، أثار جدلاً واسعاً عندما صرح برغبته بشراء الجزيرة، ما قوبل برفض قاطع وساخر من حكومة الدنمارك، واعتُبر استفزازاً دبلوماسياً غير مسبوق من رئيس دولة حليفة. ومع ذلك، أصر ترامب حينها على أن غرينلاند تمثل "أهمية استراتيجية" للولايات المتحدة، لما تملكه من موقع جغرافي مهم، وموارد طبيعية ضخمة، في مقدمتها المعادن النادرة، فضلاً عن إمكانية إنشاء قواعد عسكرية متقدمة قرب القطب الشمالي.
التوترات تصاعدت لاحقاً، خصوصاً أن واشنطن لا تُخفي قلقها من الوجود الصيني والروسي المتزايد في منطقة القطب، الذي يشهد تغيرات مناخية تفتح ممرات بحرية جديدة وتُعيد رسم خرائط النفوذ.

موقف غرينلاند.. بين الاستقلال والرفض الأمريكي

رغم أن سكان غرينلاند، البالغ عددهم 57 ألف نسمة، أظهروا في استطلاعات الرأي رغبة في الاستقلال عن الدنمارك، فإن الغالبية العظمى منهم يرفضون أن تصبح الجزيرة تابعة للولايات المتحدة، ويُفضّلون بناء دولة مستقلة كاملة السيادة، وهو ما يضعهم في تقاطع حساس بين طموحاتهم المحلية، والصراعات الكبرى بين القوى الدولية.

تحليل وسيناريوهات مستقبلية


ما يحدث اليوم هو انعكاس لتحول استراتيجي في نظرة الولايات المتحدة إلى القطب الشمالي كمجالٍ تنافسي محوري في صراع النفوذ العالمي. ويمثل التركيز على غرينلاند جزءاً من سياسة أوسع تتبناها واشنطن لحماية مصالحها من التمدد الروسي والصيني في المناطق القطبية.
مع ذلك، يطرح التصعيد الاستخباراتي أسئلة صعبة حول أخلاقيات التدخل في شؤون الحلفاء، واحتمالات خلق أزمات دبلوماسية بين واشنطن وكوبنهاغن، إضافة إلى ما قد يُفسَّر بأنه تشجيع غير مباشر للانفصاليين في غرينلاند.
فهل نشهد في السنوات المقبلة بداية لسباق نفوذ مفتوح في القطب الشمالي؟ وهل سيتحول هذا التنافس من التجسس إلى المواجهة المباشرة؟ الأيام القادمة ستكشف مدى خطورة ما بدأ كـ"طموح تجاري" وتحول إلى نزاع استراتيجي مكتوم.

موضوعات متعلقة