إقالة والتز.. صراع الولاءات والنفوذ داخل إدارة ترمب بين الطموحات الشخصية وتيارات الصقور والاعتدال

في خطوة مفاجئة لكنها تحمل دلالات عميقة حول ديناميكيات السلطة داخل إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، أقال ترمب مستشاره للأمن القومي مايك والتز، وعينه في منصب جديد كسفير لدى الأمم المتحدة. القرار، الذي جاء بعد سلسلة من المؤشرات والتسريبات الإعلامية، يعكس أزمة معقدة داخل الفريق المقرب لترمب، حيث تتداخل فيها الصراعات الشخصية، والمواقف الأيديولوجية، وحسابات الولاء السياسي، ما يجعل الإقالة أكثر من مجرد تبديل وظيفي.
الفضيحة التي عجّلت بالسقوط – "سيغنال غيت"
كانت ما تُعرف بفضيحة "سيغنال غيت" شرارة الأزمة، حين أضاف والتز عن طريق الخطأ أحد الصحافيين إلى مجموعة مراسلات سرية تتعلق بالضربات العسكرية ضد الحوثيين. رغم أن الخطأ يمكن تفسيره تقنياً، فإن تداعياته الأمنية والسياسية كانت كبيرة، إذ ضربت الثقة في والتز بصفته مسؤولاً عن أكثر الملفات حساسية في الدولة. هذه الحادثة كانت القشة التي عجّلت بانكشاف هشاشة موقعه، لكنها لم تكن السبب الوحيد.
التنافر الداخلي والصراع مع رموز النفوذ في البيت الأبيض
أظهر والتز نمطاً من الصدام المتكرر مع الشخصيات النافذة في الدائرة الضيقة حول ترمب. وعلى رأسهن سوزي وايلز، رئيسة موظفي البيت الأبيض، التي تتولى فعلياً إدارة العمليات التنفيذية ولها نفوذ كبير على الرئيس. وصفه أحد المسؤولين بأنه "عاملها كموظفة، بينما هي تجسيد للرئيس"، في دلالة على فشل والتز في قراءة خريطة النفوذ. هذا الفشل الإداري أدى إلى تآكل علاقاته داخل الفريق التنفيذي.
الحملة الإلكترونية والإعلامية بقيادة لورا لومر
صعود لورا لومر، الناشطة المؤيدة لترمب والمشهورة بنظرياتها المتطرفة، يمثل جانباً جديداً في آليات الضغط داخل منظومة الحكم الترمبية. فقد شنت حملة علنية ضد والتز متهمة إياه بتوظيف شخصيات "غير موالية" و"محافظين جدد"، ونجحت في تقديم أدلة مباشرة لترمب، من بينها فيديو قديم ينتقده فيه والتز، ما عزز من الضغوط لعزله.
التحوّل الأيديولوجي داخل مجلس الأمن القومي
يشير القرار أيضاً إلى تغيّر في التوجه العام داخل فريق السياسة الخارجية. فوالتز كان من بين الأكثر تشدداً، وتحديداً في الملف الإيراني، حيث أبدى انفتاحاً على العمل العسكري، بخلاف نهج فانس وويتكوف اللذين يفضلان الدبلوماسية. رحيله، إلى جانب خروج عدد من مساعديه ومنهم رئيس موظفيه أليكس وونغ، يعكس تراجع نفوذ جناح "الصقور"، وصعود التيار الداعي لـ"ضبط النفس" والانخراط الدبلوماسي.
التعيين كسفير.. ترقية أم إخراج ناعم؟
منح والتز منصب سفير في الأمم المتحدة قد يبدو من الخارج بمثابة ترقية، لكنه في السياق الداخلي يُفسر كوسيلة إخراج ناعمة لشخص لم يعد مرغوباً في موقع القرار داخل البيت الأبيض. المنصب خارج واشنطن، وبعيد عن دوائر النفوذ المركزية، ويُنظر إليه كإعادة تدوير سياسي لأجل حفظ ماء الوجه.
الفراغ المؤقت والصراع المستقبلي على المنصب
تولي وزير الخارجية ماركو روبيو المنصب مؤقتاً يكشف عن عدم وجود توافق واضح على خليفة دائم، رغم طرح اسم المبعوث ستيف ويتكوف الذي عبّر عن عدم اهتمامه. كما أن بدء سوزي وايلز بجمع الأسماء بعيداً عن الأضواء يعكس محاولة لتأمين خليفة أكثر ولاءً وتوافقاً مع الرئيس وفريقه.
إقالة مايك والتز ليست مجرد قرار إداري، بل مرآة لصراع داخلي يعصف بإدارة ترمب بين تيارات أيديولوجية متباينة وصراعات شخصية تغذيها حسابات الولاء والنفوذ. في هذا السياق، تبرز شخصيات غير تقليدية مثل لورا لومر كلاعبين جدد في معادلة القرار، ما يعكس كيف أن إدارة ترمب الثانية – المحتملة – لن تكون مجرد تكرار للسابقة، بل تحوّل إلى نموذج أكثر انغلاقاً وولاءً وأدلجة.