حرب بالوكالة.. الهند وباكستان أدوات الصراع الجديدة بين واشنطن وبكين

تُظهر التوترات المتصاعدة بين الهند وباكستان وجهاً آخر لصراع عالمي أكبر، تتداخل فيه المصالح الاستراتيجية والاقتصادية والعسكرية، حيث تتحول جنوب آسيا إلى ساحة مواجهة غير مباشرة بين القوى العظمى: الولايات المتحدة والصين. فبينما تتبادل نيودلهي وإسلام آباد الاتهامات والضربات، تتقاطع في الخلفية شبكة معقدة من التحالفات والتوازنات الجيوسياسية، تجعل من النزاع الإقليمي حربًا بالوكالة ذات أبعاد دولية أوسع.
طريق الحرير في مواجهة الممر الأمريكي
تمثل باكستان حلقة محورية في مشروع الصين الطموح "الحزام والطريق"، الذي تسعى من خلاله إلى إعادة تشكيل الجغرافيا الاقتصادية للعالم. ميناء "جوادر" الباكستاني بات نقطة استراتيجية حيوية في هذا المشروع، ما يجعله حجر أساس في النفوذ البحري الصيني باتجاه الخليج وإفريقيا. في المقابل، تدفع الولايات المتحدة بمبادرتها الموازية المسماة "الممر الاقتصادي" أو "طريق القطن"، والذي يرتبط انطلاقه بشكل وثيق بميناء بومباي الهندي، ما يحوّل الهند إلى لاعب رئيسي في مشروع أمريكي مضاد يُراد له أن يحد من التمدد الصيني.
لوغاريتمات التسلح والتحالفات المتشابكة
ورغم أن الهند تُعد من أبرز شركاء واشنطن في آسيا، فإن منظومة تسليحها لا تزال تتكئ على إرث طويل من التعاون مع موسكو، إلى جانب انفتاحها على التكنولوجيا الغربية. في المقابل، تعتمد باكستان بشكل رئيسي على التسليح الصيني، إلى جانب معدات وتدريبات من مصادر غربية، مما يعكس تداخلاً غير تقليدي في معادلة التحالفات. هذا التشابك يخلق مفارقة: دولتان تعتبران حليفتين تقليديتين للولايات المتحدة، لكنه تحالف لا يعني التماثل في المواقف، بل التنافس أحيانًا تحت سقف المصالح المتقاطعة.
طائرات تسقط والصواريخ تُغير موازين السماء
المواجهة الأخيرة بين الطرفين لم تقتصر على التهديدات الدبلوماسية أو الاشتباكات الحدودية التقليدية، بل وصلت إلى معارك جوية حقيقية. الهند اعترفت بسقوط ثلاث من طائراتها الحربية، بينما أعلنت باكستان إسقاط خمس طائرات هندية، وسط مؤشرات قوية تشير إلى استخدام صواريخ صينية متطورة من نوع "خلف مدى الرؤية" (BVR)، التي يقال إنها كانت السبب في النتيجة المفاجئة والمهينة لسلاح الجو الهندي في هذه الجولة من الصراع.
حرب تجارية بثياب عسكرية
ما يبدو في ظاهره نزاعًا بين جارين عدوين، يخفي في طياته صراعًا استراتيجيًا أعمق، يدور بين القوى الكبرى على خريطة النفوذ في القرن الحادي والعشرين. فالمعركة بين الهند وباكستان، في هذه الصورة، لا يمكن فصلها عن الحرب التجارية الباردة الدائرة بين الصين والولايات المتحدة، والتي باتت تتخذ أشكالًا متعددة، من نزاعات اقتصادية وتقنية، إلى صراعات بالوكالة على الأرض وفي الأجواء.
إن الصراع بين الهند وباكستان تجاوز منذ زمن بعيد كونه خلافًا حدوديًا أو دينيًا، ليصبح نقطة التقاء متفجرة بين مشاريع النفوذ العالمي، وقوسًا من التحالفات المتداخلة التي يصعب فصلها أو تفكيكها. وبينما تسقط الطائرات في سماء كشمير، فإن الرسائل تُقرأ جيدًا في واشنطن وبكين. والمفارقة أن الدولتين المتصارعتين لا تحتكران قرار الحرب ولا سلم التهدئة، في ظل تشابك مصالح اللاعبين الكبار على رقعة إقليمية باتت تمثل نقطة ارتكاز لتوازن عالمي جديد.