القاهرة تُثمّن الوساطة العمانية في اليمن.. وقف النار خطوة نحو أمن البحر الأحمر وإنهاء حرب غزة

في تطور دبلوماسي لافت يعكس تقاطع الأزمات الإقليمية، أعلنت جمهورية مصر العربية، يوم الأربعاء، ترحيبها بنجاح الوساطة العُمانية التي أسفرت عن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في اليمن، وذلك بمشاركة فاعلة من الولايات المتحدة الأمريكية. ويأتي هذا الإعلان في بيان رسمي صادر عن وزارة الخارجية المصرية، يُبرز اهتمام القاهرة العميق بالتطورات الأمنية في الإقليم، وخصوصاً ما يتصل بممرات الملاحة الحيوية في البحر الأحمر.
البيان المصري لم يكتفِ بالتعبير عن الترحيب فحسب، بل أشار بوضوح إلى الأثر المحتمل لهذا الاتفاق على "حرية الملاحة في البحر الأحمر"، في ظل تصاعد التهديدات مؤخراً بسبب هجمات الحوثيين على السفن التجارية المرتبطة بإسرائيل أو الداعمة لها، ما أثار قلقاً دولياً واسعاً. وتُعد هذه الإشارة دلالة على الربط الاستراتيجي الذي تقوم به القاهرة بين الاستقرار في اليمن وضمان أمن الملاحة في أحد أهم الممرات البحرية العالمية، والذي يشكّل شرياناً اقتصادياً وأمنياً للدولة المصرية.
تهدئة شاملة
ولم تُغفل القاهرة، في بيانها، الربط بين وقف إطلاق النار في اليمن والتطورات الأوسع نطاقاً، وخاصة الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة. فقد أعربت مصر عن أملها في أن يُسهم الاتفاق اليمني في خلق بيئة مواتية تدفع باتجاه التهدئة الشاملة، بما في ذلك إعطاء دفعة قوية للمساعي الرامية إلى إنهاء العدوان على غزة، وإعادة إحياء مسار الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.
هذا الترابط بين الساحتين اليمنية والفلسطينية يعكس فهماً مصرياً لمعادلة إقليمية متشابكة، ترى فيها القاهرة أن أي انفراج في نقطة من نقاط الصراع قد يكون له أثر تراكمي على بقية الأزمات، ما يعزز من فرص التهدئة الشاملة، ويمنح الفاعلين الدوليين والإقليميين أدوات أكثر فاعلية للدفع بحلول سياسية.
ومع أن الاتفاق في اليمن لا يزال في بدايته، فإن التحدي الأهم سيكون في مدى التزام الأطراف بتنفيذه على الأرض، خاصة في ظل تجارب سابقة من الانهيارات المتكررة لوقف إطلاق النار. لكن المؤشرات الحالية، وخصوصاً الانخراط العُماني والأمريكي، تمنح الاتفاق ثقلاً سياسياً وتُبقي الباب مفتوحاً أمام دور إقليمي متزايد لمصر، خصوصاً في ملفات ترتبط مباشرة بأمنها القومي، وعلى رأسها البحر الأحمر وغزة.
السعودية.. نحو إنهاء مكلف للحرب
بالنسبة للرياض، التي كانت في صدارة التحالف العسكري في اليمن منذ عام 2015، فإن هذا الاتفاق يمثل فرصة ثمينة لتأكيد تحول سياستها من المواجهة إلى التهدئة. فالمملكة، التي تبنّت مؤخرًا مقاربة تقوم على تصفير الأزمات الإقليمية، ترى في وقف إطلاق النار طريقًا للخروج من نزاع استنزفها سياسيًا واقتصاديًا، وفتح الباب أمام أولويات جديدة، تتعلق بالإصلاح الداخلي والتنمية.
ومع أن السعودية لم تصدر تعليقًا رسميًا حتى لحظة صدور البيان المصري، فإن انخراطها في المشاورات السابقة ورغبتها المعلنة في إنهاء الحرب يمنح الاتفاق بعدًا إضافيًا من الجدية، ويعزز من احتمال التزام الأطراف به.
إيران.. اختبار للنوايا والتوازنات
أما إيران، الحليف الأبرز للحوثيين، فإن نجاح هذا الاتفاق يمثل اختبارًا لنواياها السياسية في المنطقة. فبينما تعلن طهران دعمها للمسارات السلمية، فإن قدرتها الفعلية على التأثير في قرار الجماعة اليمنية، ومدى استعدادها لضبط سلوك حلفائها في ملفات متداخلة كالملاحة في البحر الأحمر أو التصعيد في غزة، سيبقى محل مراقبة إقليمية ودولية.
وفي حال أثبتت إيران جديتها في كبح جماح التصعيد الحوثي، فقد يُنظر إليها كشريك ضمني في تسوية أوسع، تمتد من اليمن إلى فلسطين، مرورًا بالخليج.