اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

معارك كردفان تتسع ومدينة الأبيض السودانية في مرمى نيران مسيرات «الدعم السريع»

رجل سوداني يمر أمام مركبة عسكرية مدمرة أمام مستشفى في الخرطوم
رجل سوداني يمر أمام مركبة عسكرية مدمرة أمام مستشفى في الخرطوم

* الجيش يتقدم في النيل الأبيض وحديث عن مجازر في النهود وقصف مصفاة نفط أبو خريس

انتقلت خطوط الحرب المتقدمة بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" بصورة مفاجئة إلى إقليم كردفان وسط تصعيد كبير في هجمات الطائرات المسيرة التابعة للأخيرة التي استهدفت أمس الجمعة للمرة الثانية خلال أقل من شهر مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان بقصف مصفاة نفط (أبو خريس) بالمدينة هذه المرة.

وشهدت مدينة الخوي غرب كردفان (100) كيلومتر من مدينة الأبيض، معارك عنيفة بين الجانبين، تمكنت خلالها قوات الجيش من التصدي لهجوم "الدعم السريع" وأجبرت قواتها على التراجع والانسحاب، وفق مصادر عسكرية.

تداعيات السقوط

كانت قوات اللواء (18) التابع للجيش بمدينة النهود انسحبت قبل يومين من المدينة عقب سيطرة "الدعم السريع" عليها، إلى مدينة الخوي شرق النهود.

وقالت مصادر محلية ‏إن "الدعم السريع" دخلت أحياء المدينة وأقامت نقاط ارتكاز على الشوارع وأطلقت سراح السجناء بعد اقتحامها للسجون، كما استهدفت كل من يشتبه في صلته بالحكومة أو يعثر معه على قطعة سلاح.

وبالتزامن مع ذلك تحدثت تقارير إعلامية عن وصول تعزيزات جديدة تابعة لـ"الدعم السريع" تضم نحو 50 مركبة عسكرية، وذلك لمساندة قواتها داخل المدينة.

وفي أعقاب سيطرتها على مدينة النهود أفادت مصادر محلية بأن "الدعم السريع استباحت المدينة ونهبت 500 شاحنة تجارية تتبع لمدنيين محملة بالبضائع ومحصول الفول السوداني من داخل المدينة ووجهت السائقين بالتوجه مباشرة نحو الغرب". وأضافت المصادر أن "الميليشيات أجبرت السائقين على قيادتها تحت تهديد السلاح".

وقالت غرف الطوارئ في ولاية غرب كردفان إن النهود تشهد أوضاعاً إنسانية مأساوية منذ فجر الخميس الماضي في ظل تزايد المخاوف على سلامة السكان والنازحين عقب اجتياح "الدعم السريع" للمدينة.

وأكد بيان لغرف الطوارئ أن ستة من أعضائها في النهود جرى اعتقالهم ولا تتوفر أي معلومات عن أماكن احتجازهم أو أوضاعهم الصحية، بينما يتعرض باقي الأعضاء لمضايقات متصاعدة.

واتهمت مجموعة محامو الطوارئ "قوات (الدعم السريع) بشن اقتحامات واسعة لمنازل المدنيين، واعتقلت العشرات من الشباب وتصفية أكثر من 27 مدنياً بذريعة تعاونهم مع الجيش، بجانب أعمال نهب منظم طاولت الممتلكات الخاصة والعامة وإطلاق سراح السجناء، مما أدى إلى تفشي حالة من الفوضى وانهيار النظام العام داخل المدينة". ودانت المجموعة "الانتهاكات الجسيمة لقوات (الدعم السريع) بحق المدنيين في ازدراء تام للقانون الدولي الإنساني ومبادئ حماية المدنيين".

"مجزرة" بالنهود

واتهم بيان لشبكة "أطباء السودان"، "ميليشيات (الدعم السريع) بمجزرة جديدة بتصفيتها لأكثر من 100 شخص في النهود بينهم 21 طفلاً و15 امرأة ونهب الإمدادات الطبية والأسواق والمستشفى التعليمي بالمدينة".

واستنكرت الشبكة "الجريمة الإنسانية المروعة التي ارتكبت على يد ميليشيات (الدعم السريع) في انتهاك فاضح لكل المواثيق الدولية والقيم الإنسانية"، ودانت "أعمال النهب المنظم التي طاولت مستشفى النهود التعليمي ومخزن الأدوية وتدمير وتخريب عدد من الصيدليات الخاصة".

وأشار البيان إلى أن المدينة فقدت آخر مقومات الرعاية الصحية وتوقفت الخدمات الطبية عن كثير من المرضى والمصابين الذين يعتمدون عليها في ظل الظروف الصعبة.

وطالبت الشبكة المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية بالتحرك العاجل لوقف هذه الانتهاكات وتأمين المساعدات الطبية للمنطقة ومحاسبة كل من شارك في هذه الجرائم التي تهدد حياة المدنيين وتعرض سلامتهم للخطر.

وكشف بيان لإمارة عموم قبائل دار حمر عن أن أمير قبيلة الحمر التي تستوطن المنطقة الناظر عبدالقادر منعم منصور موجود تحت الإقامة الجبرية بمعية أسرته الكبيرة بمنزله بالإمارة.

تأمين وتطمينات

جانبها قالت قوات "الدعم السريع" إنها باشرت فوراً تأمين المدينة وتوفير الحماية للمدنيين والممتلكات، مؤكدة التزامها القانون والقواعد العسكرية.

وأكد رئيس المجلس الاستشاري لقائد قوات "الدعم السريع" حذيفة أبو نوبة التزام قواته بحماية المدنيين في محلية النهود، وعدم تعريض حياتهم للخطر أو أي ممارسات بالاعتقال التعسفي أو التعذيب. ودعا في بيان بمناسبة ما وصفه بـ"تحرير مدينة النهود المواطنين إلى تشكيل لجان أمنية مشتركة مع قواتهم لضمان الأمن والتبليغ عن أي تهديدات"، مبيناً أنها "تقف على مسافة واحدة من جميع المكونات الاجتماعية في المنطقة".

مسيرات بالأبيض

في شمال كردفان تداول ناشطون مشاهد توثق تصاعد ألسنة اللهب جراء استهداف طائرة مسيرة تابعة لقوات "الدعم السريع" أمس الجمعة لمصفاة بترول (أبو خريس) بمدنية الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان.

وبحسب شهود عيان حلقت المسيرة في سماء المدينة قبل تنفيذ هجومها على المصفاة النفط مع سماع دوي انفجار عنيف دخل المصفاة. وأكدوا تدمير صهريجين يحتويان على وقود الديزل مع وقوع أضرار جانبية نتيجة اندلاع الحريق.

ويعد هذا الهجوم الثاني من نوعه، إذ سبق أن هاجمت مسيرة تابعة لـ"الدعم السريع" مقر جهاز الاستخبارات العامة بالمدينة في الأسبوع الثالث من أبريل (نيسان) الماضي.

قصف واشتباكات

أما في محور دارفور فواصلت قوات "الدعم السريع" قصفها المدفعي صوب الأحياء السكنية بالفاشر وإصابة تسعة مدنيين جرى إسعافهم لتلقي العلاج.

وقالت الفرقة السادسة مشاة بمدينة الفاشر إن "قواتها دمرت ثلاثة منصات مدفعية تابعة لميليشيات الجنجويد الإرهابية – تقصد الدعم السريع - بكامل أطقمها كانت تستخدمها في قصف المدنيين العزل والمرافق الحيوية داخل المدينة الفاشر". وأضافت أن "قواتها تصدت خلال عملية تمشيط في أطراف المدينة لمحاولة تسلل جديدة من عناصر الميليشيات إلى داخل الفاشر، ما أسفر عن مقتل سبعة عناصر من الميليشيات وتحييد آخرين"، مؤكدة استعدادها "للتصدي لكل من يتربص بالمدينة".

في المقابل قالت قوات "الدعم السريع" على منصاتها بمواقع التواصل الاجتماعي إنها تتقدم وتسيطر على مواقع جديدة بقرب مقر الفرقة السادسة مشاة، واستولت على مخازن أسلحة وذخائر داخل المدينة.

نزوح خارج دارفور

مع تضييق الأزمة الإنسانية خناقها على المدنيين والنازحين واستمرار العمليات الحربية و التدهور الأمني بدأت موجة نزوح جديدة من مواطني ولاية شمال دارفور إلى خارج الولاية في اتجاه محلية الدبة بالولاية الشمالية التي توجد فيها أكثر من 1298 أسرة نازحة يقدر عدد أفرادها بنحو 4580 شخصاً، معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن.

وكشف المدير التنفيذي للمحلية محمد صابر كشكش عن أن المحلية تستقبل يومياً أسر نازحة نازحين جديد ة يتراوح عددها بين (20 و25) أسرة قادمة من مناطق الفاشر ومخيم زمزم ومليط، مشيراً إلى أن عمليات النزوح استمرت خلال شهر أبريل الماضي، نتيجة تصاعد العنف والاشتباكات المسلحة في مدينة الفاشر والمناطق المحيطة بها.

تقدم في الخرطوم والنيل الأبيض

أوضحت مصادر ميدانية أن "قوات الجيش تتابع عملياتها العسكرية في ولاية الخرطوم للقضاء على آخر بؤر التمرد في منطقة الصالحة جنوب غربي أم درمان، كما تحقق بمساندة قوات درع السودان تقدماً كبيراً في ولاية النيل ألأبيض وواصلت أمس انفتاحها في محلية أم رمتة وتمكنت من تحرير عدد من القرى شمال غربي الولاية وعلى حدود الولاية مع شمال كردفان".

في السياق عبر الباحث السياسي والأمني إسماعيل يوسف عن مخاوفه من أن يتكرر سيناريو حصار الفاشر مع مدينة الأبيض في مواجهة قوات الفرقة الخامسة (هجانة) ذات الخبرة الطويلة في القتال والمقاتلين الأشداء المتمرسين.

وتوقع يوسف أن تستمر قوات "الدعم السريع" في مناوشة مدينة الأبيض مجدداً بالمسيرات والمدفعية بعد قصفها أمس لمصفاة النفط بمنطقة (أبو خريس)، مشيراً إلى أنها تسعى إلى تأمين غرب كردفان وعزل ولاية جنوب كردفان عن تحركات الجيش المستقبلية، حيث يوجد هناك حليفها الجديد جيش الحركة الشعبية شمال التي يقودها عبدالعزيز الحلو.

وأشار الباحث الأمني إلى أن سقوط مدينة النهود بموقعها الاستراتيجي كنقطة ارتكاز أمنية ولوجيستية سيكون لها تأثيرها السالب في إعاقة قدرة الجيش على تأمين خطوط إمداده، بالتالي تؤثر في عمليات العسكرية بدارفور. ورأى أن التصعيد الحالي في غرب البلاد ربما يمثل معارك استنزاف حاسمة في مسيرة الحرب بإقليمي كردفان ودارفور، ينتظر أن يكون لسلاح الطيران اليد العليا في تمهيد المسرح الأرضي لتقدم قوات المشاة البرية.

مواجهات قانونية

على المسار القانوني أكد وزير العدل السوداني معاوية عثمان أن السودان قدم قبل ستة أشهر شكوى رسمية ضد تشاد إلى اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب إحدى اللجان الرئيسة للاتحاد الأفريقي في شأن مساندتها لقوات "الدعم السريع" في الجرائم التي ارتكبتها إجراءات دعوى السودان.

وأعرب عثمان عن "ثقته في كسب السودان للدعوى المبنية على أدلة قوية ويتابعها فريق قانوني خاص بهذا الملف"، مبيناً أن "الوزارة ولجنة إقامة ومتابعة الدعاوى الدولية ضد ميليشيات (الدعم السريع) المتمردة وقادتها والدول المساندة لها آلت على نفسها بمواصلة ملاحقة كل من أجرم في حق الشعب السوداني وأسهم في شن الحرب ضد السودان ومقدراته". وأشار إلى أن "دعوى السودان ضد الإمارات أمام محكمة العدل الدولية، قضية متماسكة ومؤسسة تمت فيها صياغة كل القرائن والأدلة التي بلغت أكثر من (150) وثيقة، وينتظر أن تصدر المحكمة أمرها في الدعوى بعد غدٍ الإثنين".

تدهور إنساني

أممياً أعلنت الأمم المتحدة أن ما يقارب 406 آلاف شخص نزحوا من مخيم زمزم للنازحين خلال الأسبوعين الماضيين نتيجة تصاعد أعمال العنف في إقليم دارفور غرب السودان، فيما لا يزال 180 ألفاً آخرين عالقين داخل المخيم، وسط تدهور متسارع للأوضاع الإنسانية.

وأوضح تقرير محدث لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة بالسودان (أوتشا) أن النازحين توزعوا على 19 منطقة في أربع ولايات بدارفور، حيث استقبلت محلية طويلة أكثر من 300 ألف نازح، ولجأ أكثر من 82 ألفاً إلى مدينة الفاشر، بينما توجهت أعداد أقل إلى مناطق دار السلام وكتم ومليط وكبكابية في ولاية شمال دارفور.

وأشار "أوتشا" إلى تزايد الأخطار الأمنية التي تهدد العاملين في المجال الإنساني، واستخدام الممرات الإنسانية لأغراض عسكرية من قبل أطراف النزاع، متهماً قوات "الدعم السريع" بمواصلة منع الوصول إلى معسكر أبو شوك للنازحين في الفاشر، على رغم إعلان استعدادها لتسهيل الوصول إلى مخيم زمزم الخاضع حالياً لسيطرتها.

وحذر التقرير من نقص حاد في الوقود يعيق نقل الإمدادات الإنسانية والتجارية وحركة الموظفين وتشغيل المرافق الحيوية الصحية وشبكات المياه، مما ينذر بكارثة صحية وإنسانية، فضلاً عن انعدم الأمن بالطرق الرئيسة التي تزيد من عزلة آلاف النازحين في ظل انقطاع شبكات الاتصالات.

موضوعات متعلقة