الأردن بين تقليص الدعم الأميركي وتثبيت الشراكة الاستراتيجية.. قراءة في تفاصيل الأزمة واستجابات الأطراف

شهدت العلاقات الأردنية الأميركية توتراً غير معلن في مطلع عام 2025، على خلفية قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب بإجراء تخفيضات شاملة في المساعدات الخارجية، ضمن نهج إداري جديد يهدف إلى إعادة هيكلة الإنفاق الدولي ليتماشى مع أولويات الأمن القومي الأميركي. هذا القرار أثار قلقاً كبيراً في عمّان، حيث يعتمد الأردن منذ عقود على دعم خارجي، لا سيما من الولايات المتحدة، لدعم ميزانيته وتمويل مشروعاته التنموية والأمنية.
بداية الأزمة: تقليص مفاجئ ومخاوف مالية
مع صدور قرار التخفيض في يناير، تم تجميد جزء كبير من المساعدات، خاصة في القطاعات التنموية كالصحة والتعليم، والتي تبلغ قيمتها نحو 430 مليون دولار سنوياً. ومن أكثر الضربات التي تلقاها الأردن في هذا السياق، توقف مفاجئ في تمويل أكبر مشروع لتحلية المياه، والذي تنفذه شركة أميركية بإشراف الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، وتبلغ كلفته 6 مليارات دولار. وقد اعتُبر المشروع حجر زاوية في سعي المملكة لتحقيق الاكتفاء الذاتي في المياه.
عودة الدعم: ضغوط دبلوماسية واستثناء استراتيجي
لكن سرعان ما بدأت المؤشرات الإيجابية تظهر، بعد جهود دبلوماسية أردنية مكثفة. في فبراير، أجرى الملك عبد الله الثاني لقاء خاصاً مع الرئيس ترمب في البيت الأبيض، حيث نُقل عن ترمب تأكيده بأن "المساعدات لن تُستخدم أداة ضغط سياسية". كما لعبت مؤسسات أميركية، بينها وزارة الخارجية والبنتاغون، دوراً في إعادة تقييم أهمية الأردن كحليف إقليمي. وتم استئناف بعض المدفوعات الحيوية، منها التمويل العسكري المباشر، والذي أكدت واشنطن أنه لم يُمسّ طوال فترة الأزمة.
دوافع أميركية لإعادة التمويل
عدة مصادر أميركية رفيعة أوضحت أن اجتماعات جرت في الأسابيع الأخيرة بالبيت الأبيض خلصت إلى أن استقرار الأردن "مسألة حاسمة للأمن القومي الأميركي"، خاصة في ظل توترات إقليمية متصاعدة. هذا الإدراك دفع الإدارة إلى التوصية بإعادة هيكلة المساعدات بطريقة تعزز الاستقرار الأردني دون الخروج عن رؤية ترمب لإصلاح السياسة الخارجية.
الرد الأردني: شكر حذر واستمرار في التفاوض
من جانبه، عبر الأردن عن امتنانه لاستمرار الدعم، دون إغفال الإشارة إلى أهمية التوصل لتفاهمات طويلة الأمد. وقال وزير الدولة للاتصالات محمد المومني إن الأردن "يقدّر الدعم الأميركي وسينخرط في النقاشات بما يخدم مصالح الطرفين". وقد حرصت عمان على إظهار موقف متوازن لا يصطدم مع واشنطن، وفي ذات الوقت، يواصل تأمين مصادر دعم بديلة.
الدعم الدولي البديل: تنويع مصادر التمويل
رغم الهزّة الأميركية، نجحت الحكومة الأردنية في تحريك بدائل دولية. فبعد أيام من تخفيضات ترمب، أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية عن حزمة دعم بقيمة 3 مليارات يورو على مدى ثلاث سنوات. كما حصل الأردن على تمويلات جديدة من البنك الدولي (1.1 مليار دولار) والصندوق العربي للإنماء (690 مليون دولار)، بالإضافة إلى مفاوضات ناجحة مع صندوق النقد الدولي لتعزيز برنامج تسهيل الصندوق الممدد بإجمالي قد يصل إلى 750 مليون دولار إضافية.
يمكن القول إن الأزمة شكّلت اختباراً حقيقياً للسياسة الخارجية الأردنية، التي أثبتت مرونتها وقدرتها على التحرك في اتجاهات متعددة. من جهة أخرى، كشفت الخطوة الأميركية عن توجه جديد في إدارة ترمب يقوم على الاستخدام التكتيكي للمساعدات، ما قد يُنذر بأزمات مشابهة في المستقبل لدول تعتمد على الدعم الأميركي. لكن استثناء الأردن من تقليصات كبرى يعكس في الوقت ذاته إدراكاً أميركياً عميقاً بأن خسارة شريك مثل عمّان في هذه المرحلة قد تكون أثمانها أكبر من أي وفورات مالية مؤقتة.