بين رمزية الاحتفال وجدلية الاستعراض.. تحليلات لأزمة العرض العسكري المحتمل في عيد ميلاد ترمب

في خطوة تعكس التداخل بين السياسة، والمؤسسة العسكرية، والرمزية الوطنية، كشفت وثائق حصلت عليها وكالة "أسوشييتد برس" عن خطط أميركية أولية لتنظيم استعراض عسكري ضخم في العاصمة واشنطن، يتزامن مع عيد ميلاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب في يونيو المقبل. وتشير التفاصيل إلى مشاركة أكثر من 6600 جندي، و150 مركبة عسكرية، و50 مروحية، و7 فرق موسيقية، إلى جانب آلاف المدنيين المحتمل حضورهم.
البعد الرمزي والسياسي
يرتبط هذا الاستعراض ارتباطاً وثيقاً بالرغبة القديمة لترمب في تنظيم عرض عسكري يعكس القوة الأميركية بأسلوب مشابه للاستعراضات العسكرية الروسية أو الفرنسية. وعلى الرغم من انتهاء ولايته، فإن تضمين الاستعراض ضمن احتفالات الذكرى 250 لتأسيس الجيش الأميركي يثير تساؤلات حول أهدافه الرمزية: هل هو احتفاء بالجيش وتاريخه؟ أم توظيف سياسي يرسخ صورة الزعيم القوي في ذهن الجمهور، خاصة في ظل نوايا ترمب المحتملة للترشح مجدداً للرئاسة؟.
الجدوى الاقتصادية والتكلفة
الوثائق المسربة تعكس أيضاً أزمة حقيقية في الجوانب اللوجستية والمالية لهذا المشروع. التكاليف المتوقعة التي قد تصل إلى عشرات الملايين من الدولارات تشمل النقل، والإعاشة، والإيواء، والنقل الجوي والبري للمعدات والقوات من مختلف الولايات إلى العاصمة. في ظل العجز المتكرر في الميزانية الأميركية والمخاوف من التضخم، تبدو هذه المصاريف مثار جدل حاد، خاصة مع إمكانية توجيهها لبرامج تنموية أو اجتماعية بديلة.
الهواجس المحلية والبنية التحتية
أبدت الجهات المحلية في العاصمة واشنطن قلقها من احتمال تسبب المركبات الثقيلة، مثل الدبابات، في أضرار بالغة بالبنية التحتية، لا سيما الطرق. هذه الهواجس ليست جديدة، فقد سبق أن أفشلت اعتبارات مماثلة جهود ترمب لتنظيم استعراض مماثل خلال ولايته، ما يسلط الضوء على التوتر بين السلطات الفيدرالية والمحلية بشأن استخدام المدينة كساحة رمزية لاستعراض القوة.
موقف الجيش: الحذر والتحفّظ
رغم أن المتحدثين العسكريين لم ينفوا وجود الخطط، فإنهم تجنبوا تأكيدها بشكل قاطع. المتحدث باسم الجيش، ستيف وارين، أوضح أن القرار النهائي لم يُتخذ بعد، في حين أشار الكولونيل ديف بتلر إلى حماسة الجيش لمهرجان عيد الميلاد الوطني، دون أن يحسم الجدل بشأن العرض العسكري كجزء منه. هذا التحفّظ قد يعكس انقساماً داخلياً في المؤسسة العسكرية بين دعم الاحتفال بتاريخها من جهة، وتفادي تسييس مشاركتها من جهة أخرى.
تضع هذه الوثائق الإدارة الأميركية والمؤسسة العسكرية في موقف حساس: فبين رغبة ترمب في تعزيز إرثه السياسي باستخدام رمزية العرض العسكري، وتكلفة مالية باهظة قد تثير انتقادات شعبية، ومخاوف بنيوية من آثار العرض على العاصمة، تبقى الأزمة مركبة ومعقدة. إن الحسم في هذا القرار لا يرتبط فقط بالإرادة السياسية أو اللوجستيات، بل يعكس جدلية أعمق تتعلق بتوازن القوة بين رمزية الدولة الديمقراطية، واستعراض القوة على الطريقة السلطوية.