تجسس في قلب التحالف.. أوكرانيا تكشف شبكة مجرية على حدود التوتر الأوروبي

أعلنت أوكرانيا، في تطور خطير وغير مسبوق، عن كشف شبكة تجسس قالت إنها مرتبطة بجهاز الاستخبارات العسكرية المجري. ووفقاً لما صرّح به جهاز الأمن الأوكراني (SBU)، فإن هذه الشبكة كانت تعمل على جمع معلومات حساسة تتعلق بالبنية الدفاعية الأوكرانية، في إشارة واضحة إلى اختراق أمني يمسّ سيادة الدولة في ظل ظروف الحرب المستمرة مع روسيا.

وتأتي هذه الحادثة في وقت حرج، حيث تضع أوكرانيا كامل ثقلها العسكري والدبلوماسي في مواجهة الغزو الروسي، متكئة على دعم حلف الناتو والاتحاد الأوروبي. إلا أن المجرد الاشتباه بضلوع دولة عضو في هذين التكتلين، مثل المجر، في عمليات تجسسية ضد أوكرانيا، يثير تساؤلات جدية حول وحدة الصف الأوروبي والأطلسي، ومدى تماسك موقفهم الجماعي تجاه موسكو.

تفاصيل العملية

بحسب البيان الأوكراني، تم إلقاء القبض على عميلين مشتبه بهما، أحدهما رجل يبلغ من العمر 40 عامًا، وامرأة، وكلاهما من العسكريين السابقين في الجيش الأوكراني. وتشير الاتهامات إلى أنهما جُنِّدا من قبل عميل تابع للمخابرات العسكرية المجرية، وتم تزويدهما بأموال ومعدات اتصال سرية لتنفيذ مهام استخباراتية معقدة.

المهام التي أوكلت إليهما لم تقتصر على جمع معلومات عسكرية حول مواقع بطاريات الدفاع الجوي والقدرات العسكرية في منطقة زاكارباتيا (ترانسكارباثيا)، بل شملت أيضًا دراسة المواقف الاجتماعية والسياسية للسكان المحليين. الأخطر من ذلك، بحسب الاستخبارات الأوكرانية، أنه طُلب منهما تحليل كيفية تفاعل السكان إذا دخلت القوات المجرية إلى المنطقة، مما يلمح إلى سيناريوهات تدخل محتملة أو طموحات إقليمية غير معلنة.

السياق السياسي الأوسع

تُعد منطقة زاكارباتيا ذات أهمية خاصة، ليس فقط لكونها منطقة حدودية، بل لوجود أقلية مجرية كبيرة تقطنها (نحو 150 ألف نسمة حسب تعداد 2001). وقد شكّلت هذه الأقلية محور توتر دائم في العلاقات بين كييف وبودابست، حيث اتهمت أوكرانيا مرارًا المجر بالتدخل في شؤونها الداخلية تحت ذريعة حماية الأقلية المجرية.

من جهة أخرى، يتخذ رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان موقفًا متمايزًا داخل الاتحاد الأوروبي، خصوصًا فيما يتعلق بالحرب الروسية الأوكرانية. فبينما تندفع غالبية دول الاتحاد لدعم كييف عسكريًا وسياسيًا، يحافظ أوربان على علاقات وثيقة مع الكرملين، معارضًا العقوبات على روسيا، ومشككًا في فعالية المساعدات الغربية لأوكرانيا.

الرد المجري.. إنكار وتحذير من "الدعاية"

لم تتأخر بودابست في الرد، حيث سارع وزير الخارجية بيتر سيارتو إلى التشكيك في الرواية الأوكرانية، واصفًا إياها بـ"الدعاية التي ينبغي التعامل معها بحذر". وأكد أن الحكومة المجرية لن تتخذ أي خطوات دون تلقي معلومات رسمية وموثقة، في محاولة واضحة لتقليل حجم الأزمة ومنع تصعيدها سياسيًا أو إعلاميًا.

دلالات خطيرة وتحديات مستقبلية

تكشف هذه الحادثة عن عمق الانقسام داخل الصف الأوروبي بشأن الحرب في أوكرانيا، وتسلّط الضوء على هشاشة الثقة المتبادلة بين الدول المتحالفة شكليًا. كما تثير تساؤلات حول قدرة أوكرانيا على حماية نفسها من محاولات التسلل الاستخباراتي، ليس فقط من قبل روسيا، بل من دول يُفترض أنها حليفة.

وإذا ما ثبتت الاتهامات بالأدلة القاطعة، فإن الأمر قد يفتح فصلًا جديدًا من التوتر الدبلوماسي بين كييف وبودابست، وربما يؤدي إلى مراجعة أوروبية أشمل للعلاقة مع المجر داخل هياكل الاتحاد الأوروبي والناتو.