تعيين مذيعة Fox News مدعية عامة مؤقتة في واشنطن.. خطوة تكتيكية لترمب في مواجهة الرفض الجمهوري وملفات العدالة الشائكة

في خطوة مثيرة للجدل، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب تعيين المذيعة والمحامية السابقة جانين بيرو مدعية عامة مؤقتة في العاصمة واشنطن، بعد فشل ترشيح إد مارتن بسبب معارضة جمهورية حادة. هذا التعيين، الذي جرى الإعلان عنه عبر منصة "Truth Social"، يعكس ديناميكيات سياسية داخلية معقدة داخل الحزب الجمهوري، وسعي ترمب لإحكام السيطرة على مفاصل العدالة في ظل قضايا سياسية حساسة تُدار من مكتب المدعي العام بالعاصمة.
فشل مارتن وضرورات إعادة التموضع
إد مارتن، المعروف بدفاعه الصريح عن مثيري الشغب في أحداث 6 يناير 2021، واجه رفضاً واسعاً حتى داخل حزبه، إذ اعتبره العديد من الجمهوريين شخصية مثيرة للانقسام لا يمكن الوثوق بها في منصب حساس كهذا. ومع أن ترمب كان يراهن على مارتن كذراع تنفيذية في معاركه ضد خصومه السياسيين، فإن المعارضة الواسعة اضطرته للتراجع وتعديل استراتيجيته.
بيرو: الوجه الإعلامي المحافظ والخيار "الأقل إثارة للجدل"
جانين بيرو، البالغة من العمر 73 عاماً، تُعد من أبرز وجوه قناة Fox News وأكثرهم دفاعاً عن ترمب، لكنها أيضاً تحمل سجلاً قضائياً متيناً؛ فقد عملت مساعدة للمدعي العام، ثم قاضية، ثم مدعية عامة لمقاطعة ويستتشستر. هذا التاريخ القضائي، إلى جانب شعبيتها بين المحافظين، جعلها خياراً بديلاً أكثر قبولاً نسبياً داخل الدوائر الجمهورية، على الرغم من ارتباطها الوثيق بترمب وسجلها الإعلامي الحافل بالتصريحات المثيرة للجدل.
حسابات ترمب السياسية والإعلامية
تعيين بيرو ليس مجرد قرار وظيفي، بل يعكس استراتيجية متكاملة لترمب في توسيع نفوذه داخل المؤسسة القضائية، عبر شخصيات موالية تنتمي إلى الوسط الإعلامي المحافظ. فبيرو تنضم إلى سلسلة من إعلاميي Fox News الذين نُقلوا إلى مواقع تنفيذية، مثل بيت هيجسيث في وزارة الدفاع وشون دافي في وزارة النقل، ما يُظهر بوضوح نمطاً يدمج بين الإعلام والسلطة التنفيذية.
الرهانات القضائية المقبلة
مكتب المدعي العام في واشنطن يُعد من أخطر المفاصل القضائية في البلاد، إذ يشرف على ملفات ذات طابع سياسي، من بينها قضايا ضد حلفاء ترمب السابقين وملاحقات مرتبطة بانتخابات 2020. لذلك، فإن تعيين بيرو – ولو بشكل مؤقت – يمكن أن يمنح ترمب نفوذاً مباشراً على مسار هذه الملفات، خصوصاً وأن بيرو لم تُخفِ تأييدها لمساعيه في "تطهير" وزارة العدل من ما يصفه بـ"التسييس".
ردود الفعل المتباينة
رغم المعارضة الواسعة لمارتن، لقي ترشيح بيرو ترحيباً أولياً من بعض الشخصيات الجمهورية مثل السيناتور توم تيليس، الذي وصفها بـ"الاختيار الأمثل"، وهو ما يعكس محاولات ترمب لتفادي الصدام مع أعضاء حزبه بعد تعرضه لانتكاسة سياسية نادرة. بالمقابل، تثير خلفية بيرو الإعلامية وعلاقتها بقضية Dominion تساؤلات حول حيادها واستقلالها القضائي، خاصة بعد أن كانت من بين الأسماء التي ذُكرت في التسوية الكبرى بين Fox News والشركة بسبب نشر معلومات مضللة عن الانتخابات.
مستقبل المنصب وغموض التثبيت الدائم
يبقى التساؤل قائماً حول نية ترمب في ترشيح بيرو بشكل دائم، خصوصاً وأنها سبق أن خاضت تجربة سياسية فاشلة عام 2005. ومع أن تعيينها الحالي مؤقت، إلا أن وجودها في هذا المنصب خلال فترة حساسة قد يسمح لها بلعب دور محوري في صياغة المشهد القضائي القادم، بما في ذلك ملفات العفو الرئاسي ومراجعة قضايا رموز الحزب الجمهوري.
قرار تعيين جانين بيرو يعكس توجهاً منهجياً لترمب في استثمار الولاء الإعلامي داخل منظومة الحكم، ويأتي كرد تكتيكي على فشل تعيين مارتن. لكنه في الوقت ذاته يفتح الباب أمام نقاش أوسع حول استقلال القضاء في عهد سياسي مشحون بالتجاذبات والانقسامات الداخلية، وحول قدرة المؤسسات الأميركية على مقاومة محاولات التسييس المستمر للعدالة.