ترمب بين بوتين والصين.. مئة يوم من الوعود الصادمة والرهانات الخطرة

بعد مرور مئة يوم على انطلاق ولايته الثانية، رسم الرئيس الأميركي دونالد ترمب مشهداً سياسياً داخلياً وخارجياً بالغ التوتر، عبر مقابلة مطولة مع شبكة ABC News، تطرق فيها إلى الملفات الساخنة: الحرب في أوكرانيا، التوتر مع الصين، الهجرة، الاقتصاد، وإدارة الحكومة. هذه التصريحات لم تعكس فقط مواقفه السياسية، بل كشفت أيضاً عن رؤيته لدور الولايات المتحدة العالمي، وكيف يرى نفسه مصلحاً لدولة "مريضة" على حد وصفه.
أولاً: أوكرانيا وبوتين سلام مؤجل أم مناورة روسية؟
في تصريح لافت، أقر ترمب بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "يماطله" في محادثات السلام التي يتوسط فيها منذ أشهر لإنهاء حرب أوكرانيا، التي تدخل عامها الثالث. وقد بدا واضحاً أن ترمب يحاول إعادة تموضعه كـ"صانع سلام" بعد أن حمّل سلفه جو بايدن مسؤولية اندلاع الحرب، مؤكداً أن بوتين لم يكن ليجرؤ على الغزو لو ظل هو في السلطة.
لكن تصريحاته كشفت عن إرباك واضح؛ فبينما أكد رغبته في إنهاء الحرب، أشار إلى أن بوتين لا يبدو جاداً، ما قد يُفهم كمأزق دبلوماسي لترمب، الذي يواجه تراجعاً في قدرته على التأثير في قرارات الكرملين. وقد زاد الغموض بإعلان موسكو عن هدنة قصيرة في مايو، تقابلها دعوة أوكرانية لوقف إطلاق نار طويل، وهو ما يعكس تبايناً كبيراً في النوايا.
ثانياً: الصين والرسوم الجمركية اقتصاد على حافة التصعيد
أثار ترمب عاصفة اقتصادية جديدة بإعلانه أن الصين "تستحق" رسومًا جمركية تبلغ 145%، في خطوة وصفها البعض بـ"الحظر التجاري غير المعلن". وقد أكد أن هذه الإجراءات جزء من خطة طويلة الأمد لوقف "استغلال الصين للاقتصاد الأميركي"، مدعياً أن الولايات المتحدة تعرضت للإهانة لعقود، وأنه وضع حداً لذلك.
لكن هذه السياسات أثارت قلقاً داخلياً واسعاً، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى تنامي المخاوف الشعبية من آثار الرسوم على الأسعار والتضخم. ورغم دفاعه المستميت، فإن الأسواق لم تظهر مؤشرات استقرار، لا سيما مع تصاعد التوتر بين واشنطن وبكين.
ثالثاً: العلاقات الخارجية تدهور مع كندا وتصريحات مستفزة
لم يسلم الجار الشمالي، كندا، من انتقادات ترمب. فقد قلل من شأن تدهور العلاقات الثنائية، رغم أن تصريحاته بشأن "ضم كندا" وفرض رسوم مدمرة عليها أثارت جدلاً واسعاً. هذه التصريحات دفعت إلى تراجع ملموس في حركة السفر البري بين البلدين، إضافة إلى حملات مقاطعة أميركية في الداخل الكندي.
رابعاً: الإدارة الداخلية الكفاءة الحكومية على يد إيلون ماسك
في سابقة غريبة، تولى الملياردير إيلون ماسك وزارة الكفاءة الحكومية (DODE)، حيث أعلن ترمب أن هذه الوزارة أحالت قضايا احتيال إلى وزارة العدل، وزعمت أنها وفرت مليارات الدولارات. ومع ذلك، أثارت قراراتها بقطع التمويل عن برامج غذائية وطبية أسئلة حادة بشأن الأبعاد الاجتماعية لهذه السياسات، ومدى قانونية تدخل ماسك في ملفات حكومية.
خامساً: الهجرة والحدود سياسة صارمة بنبرة مترددة
في ملف الهجرة، حافظ ترمب على لهجته المتشددة تجاه المهاجرين غير الشرعيين، لكنه حرص على إظهار جانب "إنساني" حين وافق على ضرورة توخي الحذر في عمليات الترحيل، مستشهداً بتصريحات مؤيده جو روجان حول "التحول إلى وحوش أثناء محاربة الوحوش".
سادساً: الهجوم على بايدن بين التبرير والتصعيد
لم تفُت ترمب فرصة مهاجمة جو بايدن، متهماً إياه بـ"عدم الكفاءة" والتسبب في كافة المشكلات التي تحاول إدارته الحالية حلها. كما اتهم مؤسسات الدولة بـ"التحامل عليه"، زاعماً أنه أكثر رئيس تعرّض للاضطهاد في التاريخ الأميركي.
مئة يوم تكشف الملامح لا النتائج
يبدو أن ترمب لا يزال يراهن على نهج المواجهة في الداخل والخارج، مستنداً إلى شعبية لا تزال قائمة رغم تراجع الدعم في بعض استطلاعات الرأي. غير أن تعقيد الملفات المطروحة، من أزمة أوكرانيا إلى العلاقات التجارية والدبلوماسية، يشير إلى أن مئة يوم من التصريحات لا تكفي لتأكيد القدرة على الحكم أو حتى على بناء سلام دائم.