روسيا بين صراع النفوذ والانهيار.. تحديات جديدة في سوريا وأفريقيا
في عالم متعدد الأقطاب يروج له الكرملين في مواجهة الغرب، حاولت روسيا أن تفرض نفسها كشريك لا غنى عنه للدول الأفريقية والعربية، وعلى رأسها سوريا، على مدار السنوات الماضية. قدمت روسيا وعودًا بتقديم دعم شامل للدول التي تسعى لتعزيز علاقاتها معها، لا سيما في القارة الأفريقية التي كانت روسيا لاعبًا رئيسًا فيها خلال الحقبة السوفيتية.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في قمة سوتشي التي استضافتها روسيا العام الماضي، تحدث إلى كبار مسؤولي خمسين دولة أفريقية قائلاً: "بلادنا ستواصل تقديم دعمها الكامل لأصدقائنا الأفارقة في مجالات مختلفة". وأضاف بوتين خلال القمة أنه يأمل في تعزيز العلاقات الروسية الأفريقية بشكل عام.
في وقت سابق، خرجت العديد من الشعوب الأفريقية في تظاهرات تحتفل بالإنجازات الروسية في فرض الأمن، وتطالب بتعزيز التحالف مع روسيا وطرد النفوذ الفرنسي. لكن مع تدهور الأوضاع في سوريا وتعرض النفوذ الروسي لتهديدات، أصبح هذا التأثير مصدر قلق بالنسبة لبعض الدول الأفريقية التي تعتمد على موسكو.
انهيار سريع يهدد النفوذ الروسي في سوريا
في تقرير نشرته وكالة "بلومبرغ" مؤخراً، تم الكشف عن أن الانهيار السريع لنظام بشار الأسد في سوريا قد يهدد قاعدة حميميم الجوية الروسية، التي كانت بمثابة مركز لفرض النفوذ الروسي في أفريقيا. حيث كانت روسيا تستخدم هذه القاعدة لإرسال أفراد وإمدادات عسكرية إلى دول مثل مالي وبوركينا فاسو والنيجر، التي شهدت مؤخراً انقلابات عسكرية وقطعت علاقاتها مع الغرب. كما ساعدت قاعدتا حميميم وطرطوس البحرية في توسيع نفوذ موسكو العسكري والسياسي والاقتصادي في القارة الأفريقية.
الآن، تواجه هذه الشبكة الروسية التي كانت تدعم العمليات العسكرية في أفريقيا تحديات كبيرة، بعد التراجع المتوقع في نفوذ روسيا في سوريا وفي بعض المناطق الأفريقية التي تشهد تحولات عميقة.
كر وفر بين روسيا والغرب
وفي تعليقه على هذا التراجع، قال المحلل السياسي الخبير في الشؤون الروسية، الدكتور محمود الأفندي، إن المعركة على النفوذ بين روسيا والغرب، سواء في سوريا أو أفريقيا، هي معركة "كر وفر"، حيث يخسر كل طرف جولة بينما يفوز الآخر. وذكر الأفندي في تصريحات صحفية أن صراع النفوذ يمتد إلى دول مثل جورجيا وكوريا الجنوبية، حيث يسعى الغرب لإزاحة الحكومات الموالية لروسيا، بينما تحاول موسكو إزالة الحكومات التي تدعم الغرب.
وأشار الأفندي إلى أن النفوذ الروسي في أفريقيا، رغم التحديات، لا يزال قويًا في بعض المناطق، مثل السودان وليبيا، حيث تدعم روسيا حكومة المشير خليفة حفتر في ليبيا. وأضاف أن هناك احتمالات لإقامة قاعدة بحرية روسية في بورتسودان لتعزيز وجود موسكو في البحر الأحمر.
تقليص الدور الروسي في أفريقيا
من جانبه، أكد إبراهيم كابان، مدير شبكة الجيوستراتيجي للدراسات، أن هناك إستراتيجية غربية لتقليص الدور الروسي في أفريقيا، وهو ما يعكس تراجعًا اقتصاديًا كبيرًا لروسيا. وذكر كابان في تصريحات صحفية أن روسيا تواجه منافسة قوية من الغرب بقيادة الولايات المتحدة، التي تتحكم في المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. كما أشار إلى أن الوضع في سوريا كان بمثابة ضربة كبيرة لروسيا، حيث انهارت الكثير من المكاسب التي حققتها هناك في غضون أيام.
التحديات الروسية في أفريقيا
من ناحيته، قال كايد عمر، المحلل السياسي الخبير في الشؤون الأوروبية، إن روسيا تواجه تحديات كبيرة في الحفاظ على نفوذها في أفريقيا بعد تراجع دورها في سوريا. وأوضح أن هناك منافسة شديدة بين أوروبا وأمريكا من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى، على السيطرة على الاقتصاد الأفريقي والنفوذ في القارة.
وأشار عمر إلى أن روسيا ستركز في الفترة المقبلة على تقوية نفوذها في غرب أفريقيا، بينما تسعى الدول الأوروبية والولايات المتحدة إلى تعزيز سيطرتها على القارة. كما لفت إلى أن روسيا ستواصل جهودها للحفاظ على قواعدها العسكرية في سوريا وتعزيز علاقتها بالحكومة الجديدة هناك.
في الختام، تشير التطورات الأخيرة إلى أن روسيا تواجه تحديات متزايدة في الحفاظ على نفوذها في كل من سوريا وأفريقيا، في ظل الصراع المتواصل مع الغرب وتغيرات سياسية واقتصادية في المنطقة.