اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

تقييم استراتيجي للقوة العسكرية بين إيران وإسرائيل

جيش
جيش

تعيش المنطقة في ظل توتر متصاعد بين إيران وإسرائيل، بلغ ذروته إثر شن إسرائيل هجوماً واسعاً على مواقع عسكرية ونووية إيرانية، فجر الجمعة الماضية، ما أشعل سلسلة من الهجمات المتبادلة التي اتسمت بالعنف والدموية على مدار الأيام الثلاثة الأخيرة. هذا التصعيد الحاد أعاد إلى الواجهة سؤالاً محورياً طالما شغل الخبراء الاستراتيجيين: كيف تقارن القدرات العسكرية بين الدولتين؟
إيران.. التفوق العددي مقابل التحديات النوعية
تمتلك إيران عناصر قوة واضحة على المستوى الديموغرافي والجغرافي، فهي دولة ذات كثافة سكانية مرتفعة تقارب 88 مليون نسمة، وتبلغ مساحتها 1.6 مليون كيلومتر مربع، أي ما يعادل نحو 70 ضعف مساحة إسرائيل. إلا أن الأرقام السكانية والجغرافية لا تعني الكثير في ميزان القوة العسكرية المعاصرة، خاصة عند النظر إلى الفوارق النوعية في التسليح والتكنولوجيا.
تتوزع القوة العسكرية الإيرانية بين الجيش النظامي والحرس الثوري، الأخير يُعد بمثابة جيش موازٍ له صلاحيات أوسع ونفوذ أعمق، ويضم وحدات مثل "فيلق القدس" المختص بالعمليات الخارجية، بالإضافة إلى قيادة استراتيجية للصواريخ وقوة سيبرانية متطورة. تُقدّر أعداد الجيش النظامي بنحو 600 ألف جندي، بينما يتراوح عدد قوات الحرس الثوري عند 200 ألف عنصر، ما يجعل من إيران قوة بشرية عسكرية ضخمة.
لكن هذه القوة تعاني من أزمات نوعية. فالوكلاء الإقليميون لإيران (مثل "حزب الله" في لبنان و"الحوثيين" في اليمن وفصائل عراقية وسورية وفلسطينية) تعرضوا لضربات موجعة خلال الأشهر الماضية، بسبب عمليات إسرائيلية وأميركية مستهدفة، أضعفت فاعليتهم وقيّدت حركة طهران الإقليمية.
أما الترسانة العسكرية الإيرانية فهي خليط من تكنولوجيا عتيقة تعود لعهد الشاه، إلى جانب أسلحة سوفيتية قديمة، مع معدات روسية حديثة نسبياً، فضلاً عن الإنتاج المحلي الذي يشمل الطائرات المسيّرة وصواريخ قصيرة وبعيدة المدى. وقد حازت طائرات "شاهد" المُسيّرة اهتماماً دولياً بعد بيعها لروسيا لاستخدامها في الحرب الأوكرانية، ما يُظهر نمواً في قدرات إيران الصناعية العسكرية، وإن بقيت دون مستوى القوة الجوية الحديثة.
إسرائيل.. التفوق النوعي والتكنولوجي
في المقابل، تُعد إسرائيل دولة صغيرة من حيث المساحة (22 ألف كيلومتر مربع) وعدد السكان (قرابة 9 ملايين)، لكنها تعوّض هذه المحدودية بتفوق نوعي هائل. الميزانية العسكرية الإسرائيلية تبلغ أكثر من ثلاثة أضعاف نظيرتها الإيرانية (23.4 مليار دولار مقابل 6.86 مليار)، وتُعد واحدة من أكثر الجيوش تطوراً في العالم من حيث التقنية والتسليح.
تستفيد إسرائيل من الدعم العسكري الأميركي المتواصل، بالإضافة إلى قاعدة صناعية دفاعية محلية تنتج منظومات متطورة تشمل الطائرات، والطائرات المسيّرة، والصواريخ، والدفاعات الجوية. ويبلغ عدد القوات العاملة في الجيش الإسرائيلي نحو 170 ألف جندي، تدعمهم قوات احتياطية تقدر بـ400 ألف عنصر، وجميعهم يتمتعون بخبرات عملياتية متكررة نتيجة الانخراط في صراعات إقليمية مستمرة.
في الجو، تمتلك إسرائيل 339 طائرة عسكرية، وهو عدد يقارب ما تملكه إيران (نحو 350)، إلا أن النوعية هنا تصنع الفارق: فالطائرات الإسرائيلية أكثر حداثة وتقدماً، وغالبيتها من طرازات أميركية مثل "إف-35" و"إف-16"، في حين أن الطائرات الإيرانية تعاني من التقادم.
وتُعد منظومة الدفاع الصاروخي الإسرائيلية من الأكثر تطوراً في العالم، بفضل مشاريع مشتركة مع الولايات المتحدة، مثل "القبة الحديدية" و"مقلاع داوود" و"حيتس"، وهي قادرة على اعتراض صواريخ قصيرة وطويلة المدى، ما يمنح إسرائيل قدرة على تحييد جزء كبير من التهديدات، وإن لم يكن بنسبة 100%.
رغم هذا، لم تكن الخسائر الإسرائيلية الأخيرة قليلة، إذ أفادت تقارير بمقتل 10 أشخاص وإصابة نحو 200 جراء الهجمات الإيرانية الأخيرة، ما يؤكد أن التصعيد الحالي تجاوز مرحلة التهديدات الرمزية.
ميزان الردع النووي.. الغموض الإسرائيلي والطموح الإيراني
يبقى البعد النووي من أخطر مكونات الأزمة. فمن جهة، تحتفظ إسرائيل بسياسة "الغموض النووي"، وتُعتبر – بحسب تقديرات استخباراتية – الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تمتلك ترسانة نووية جاهزة. ومن جهة أخرى، أحرزت إيران تقدماً كبيراً في تخصيب اليورانيوم، ويُعتقد أنها باتت قادرة على إنتاج سلاح نووي في غضون أشهر، وهو ما يرفع سقف المخاوف الإقليمية والدولية.
سيناريوهات مفتوحة وخطر الانفجار الإقليمي
ما يجري بين إيران وإسرائيل ليس مجرد تصعيد اعتيادي، بل قد يكون تمهيداً لمواجهة إقليمية واسعة النطاق. كلا الطرفين يمتلك ما يخسره، لكنهما يتقدمان بخطى محسوبة نحو حافة الهاوية، وسط غياب وساطات فعالة حتى الآن.
وإذا استمر تبادل الضربات وتدهورت القدرة على ضبط النفس، فقد تتحول هذه المواجهة إلى صدام مباشر، تتورط فيه أطراف دولية، وتُعاد فيه صياغة توازنات القوة في الشرق الأوسط لعقود قادمة.

موضوعات متعلقة