فوردو.. قلب البرنامج النووي الإيراني وصخرة المواجهة بين طهران وتل أبيب

تتزايد حدة التوترات في الشرق الأوسط إثر الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على منشآت نووية إيرانية، وعلى رأسها المنشأة المحصنة المعروفة بـ"فوردو"، التي باتت تمثل بؤرة الأزمة النووية المتصاعدة.
هذا التصعيد ليس مجرد عملية عسكرية تقليدية، بل هو حلقة مفصلية في صراع استراتيجي معقّد يمتد بين محاولات إيران لترسيخ حضورها النووي، ومساعي إسرائيل لاحتواء أي إمكانية لـ"اختراق نووي" قد يخل بتوازن الردع الإقليمي.
منشأة "فوردو".. جبل الحصانة وشبح القنبلة
فوردو، التي وصفها المخططون العسكريون الإسرائيليون بـ"جبل الهلاك"، ليست مجرد منشأة تخصيب نووي، بل رمز لما تعتبره إيران سيادة على قرارها النووي واستعداداً لمواجهة ضربة خارجية شاملة. تقع المنشأة على عمق نصف كيلومتر تحت جبل قرب مدينة قُم، وتحيط بها تحصينات شديدة، بما في ذلك أنظمة دفاع جوي ومداخل أنفاق مزدوجة، مما يجعلها عصيّة على القصف التقليدي، بل وحتى على بعض القنابل الخارقة للتحصينات.
ما يثير القلق الدولي أن "فوردو" لا تزال تضم أجهزة طرد مركزي قادرة على تحويل مخزون اليورانيوم عالي التخصيب إلى مادة صالحة لصنع قنابل نووية خلال أسابيع قليلة، بحسب تقديرات "معهد العلوم والأمن الدولي"، ما يجعلها هدفاً بالغ الحساسية في أي ضربة استباقية.
بين "فوردو" و"نطنز": الصلابة مقابل الهشاشة
يكتسب الاستهداف الإسرائيلي لموقع "نطنز" أهمية رمزية وتكتيكية. فرغم احتوائه على منشآت تخصيب كبرى، فإن موقع "نطنز" يقع على عمق لا يتجاوز 20 متراً، وخاضع لرقابة نسبية من الوكالة الدولية، بينما تنعدم تلك الشروط في "فوردو" المحصنة.
فوردو، التي كشفتها استخبارات غربية عام 2009، بُنيت سراً، وعلى خلاف "نطنز"، لم تُصمم لأغراض مدنية، بل لتكون محمية ضد الهجمات، وقادرة على مواصلة التخصيب في حال تعرضت المنشآت الأخرى للشلل.
سابقة استراتيجية ومقامرة محسوبة
الهجوم على "فوردو"، وإن لم تُعلن إسرائيل رسمياً عن تنفيذه، يمثل نقلة نوعية في قواعد الاشتباك. بحسب "فاينانشيال تايمز"، فإن ضرب منشأة تحت الأرض بهذه الأهمية هو "مخاطرة هائلة" أقدم عليها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تعكس تصميماً على كبح القدرات النووية الإيرانية حتى لو استدعى الأمر تجاوز الخطوط الحمراء.
ورغم إعلان طهران عن "أضرار محدودة"، فإن دلالات الهجوم أكبر من نتائجه المادية؛ فهو يشكل رسالة مباشرة بأن تل أبيب مستعدة لضرب أكثر الأهداف تحصيناً، حتى في ظل احتمال رد فعل إيراني يزعزع الاستقرار الإقليمي.
فوردو كنقطة "اللاعودة" في البرنامج النووي الإيراني
أكثر ما يثير القلق من "فوردو" هو احتمالية تحولها إلى بؤرة لـ"الاختراق النووي" إذا ما قررت طهران الانسحاب من معاهدة عدم الانتشار أو تعطيل التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ففي غضون أيام، يمكن لإيران –وفق خبراء– إنتاج ما يكفي لصنع قنبلة نووية، وهو سيناريو لطالما شكل خطاً أحمر للولايات المتحدة وإسرائيل.
الخطورة تتضاعف مع بناء إيران منشآت أكثر عمقاً وتحصيناً، مثل تلك الواقعة في جبل "كوه كلنج جز لا" أو "جبل الفأس"، والتي تحتوي على أربع مداخل أنفاق ومساحات أوسع، وتُمنع حتى اليوم من التفتيش الدولي.
سياق الاتفاق النووي وانهيار الثقة الدولية
عودة التوتر إلى الواجهة يعيد التذكير بالاتفاق النووي لعام 2015، الذي جمّد أنشطة فوردو جزئياً، وحوّلها إلى مركز أبحاث، قبل أن تنهار التفاهمات بعد انسحاب إدارة ترامب في 2018. منذ ذلك الحين، تصاعد التخصيب، وارتفعت مستويات النقاء إلى 60%، في مؤشر على اقتراب قدرات "الاختراق".
التصعيد الأخير يأتي في وقت فقدت فيه قنوات الحوار فاعليتها، وبدت أجهزة التفتيش عاجزة أمام حقائق جديدة على الأرض. وإذا لم تُستأنف المفاوضات، فإن منشآت كـ"فوردو" و"جبل الفأس" ستتحول من مواقع استراتيجية إلى تهديدات قابلة للانفجار في أي لحظة.