قبرص في قلب العاصفة.. رسائل إيرانية لتل أبيب ومخاوف من امتداد الصراع إلى الأراضي الأوروبية

في تطور لافت يكشف عن تشابك العلاقات الدبلوماسية والتحديات الأمنية في شرق المتوسط، صرح الرئيس القبرصي نيكوس كريستودوليديس، يوم الأحد، بأن إيران طلبت من بلاده نقل رسائل إلى إسرائيل، في خطوة تعكس استخدام طهران لقنوات خلفية في لحظة تصعيد حرج. هذا التصريح، الذي يأتي في ذروة التوتر بين إسرائيل وإيران، يشير إلى موقع قبرص الفريد كوسيط محتمل في نزاع إقليمي محتدم، ولكن أيضاً كطرف معرض للخطر.
كريستودوليديس لم يُخفِ قلقه من "التباطؤ الأوروبي" في الاستجابة للأزمة المتفاقمة، منتقداً غياب تحرك فاعل من جانب الاتحاد الأوروبي. وطالب بعقد اجتماع استثنائي لـ"مجلس الشؤون الخارجية"، في محاولة لحث التكتل على اتخاذ موقف أكثر حسماً إزاء التهديدات التي تطال محيطه الحيوي، خاصة أن قبرص تُعد أقرب دولة أوروبية جغرافياً إلى بؤرة الصراع الإسرائيلي – الإيراني.
من الجانب الأمني، فعلت الحكومة القبرصية تطبيق "سيف سي واي" للإنذار المبكر، بهدف إرشاد المواطنين نحو أقرب ملاجئ وتوفير تعليمات سريعة في حال وقوع هجمات. ويأتي هذا التحرك الاحترازي في ظل تصاعد المخاوف من تحوّل قبرص إلى ساحة محتملة للرد الإيراني، خاصة أن أراضيها تستضيف قاعدتين عسكريتين بريطانيتين، من ضمنهما قاعدة "أكروتيري" التي تبعد أقل من 300 كيلومتر عن مدينة حيفا الإسرائيلية. هذه القاعدة استخدمت مراراً كنقطة انطلاق للعمليات العسكرية الغربية، ما يجعلها هدفاً منطقياً لأي هجوم انتقامي إيراني.
التحركات الإسرائيلية زادت من القلق المحلي، إذ تم نقل عدد من طائرات شركات الطيران الإسرائيلية إلى مطارات قبرصية كإجراء وقائي. بالتوازي، أعلنت إذاعة "آر آي كي" القبرصية عن رفع مستوى التأهب الأمني في مطاري لارنكا وبافوس، مما يعكس حالة استنفار غير مسبوقة في الجزيرة. ويكفي موقع قبرص الجغرافي لأن يتمكن سكان سواحلها الجنوبية من مشاهدة تبادل الضربات الجوية بين الطرفين المتنازعين، في مشهد يُقرّب الصراع إلى العتبة الأوروبية.
في ضوء هذه التطورات، تُظهر الأزمة الراهنة كيف تتحول الدول الصغيرة والحدودية إلى مواقع استراتيجية بالغة الحساسية، حيث تلتقي فيها خطوط النار والسياسة. وتبقى الأسئلة مطروحة: هل تستطيع قبرص الحفاظ على حيادها النسبي؟ وهل يتحرك الاتحاد الأوروبي بما يكفي لحماية أضعف نقاط تماسّه مع الشرق الأوسط المشتعل؟.
جذور التوتر
تعود جذور الصراع بين إيران وإسرائيل إلى عقود مضت، إذ ترى طهران أن إسرائيل كيان "غير شرعي" وخصم إقليمي يجب إزالته، فيما تعتبر إسرائيل أن إيران تمثل التهديد الوجودي الأكبر لها بسبب:
دعم إيران لحركات مقاومة مثل حزب الله في لبنان، وحماس والجهاد الإسلامي في فلسطين.
استمرار تطوير البرنامج النووي الإيراني، الذي تعتبره إسرائيل محاولة لصناعة قنبلة نووية.
انتشار الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا والعراق واليمن، مما يُعزز النفوذ الإيراني الإقليمي.
في الأشهر الأخيرة، تصاعد التوتر بشكل غير مسبوق بسبب سلسلة من العوامل، أبرزها:
الهجمات الإسرائيلية المتكررة على مواقع إيرانية في سوريا، واغتيال شخصيات محسوبة على "الحرس الثوري".
الهجوم الإيراني على قنصلية إيران في دمشق (أبريل 2025)، الذي قُتل فيه جنرالات كبار، والذي تبعته ضربة إيرانية مباشرة على إسرائيل باستخدام صواريخ ومسيّرات لأول مرة منذ الثورة الإسلامية.
رد إسرائيل بضربات مكثفة على أهداف إيرانية، بعضها داخل الأراضي الإيرانية ذاتها، مثل منشآت نووية أو قواعد عسكرية، مما زاد من مخاطر الانزلاق إلى حرب شاملة.