اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

موسكو تمارس دبلوماسية الحذر بين إسرائيل وإيران بحثاً عن مكاسب استراتيجية

بوتين
بوتين

تجد روسيا نفسها اليوم في قلب أزمة إقليمية معقدة، حيث تصاعد التوتر العسكري بين إسرائيل وإيران يضع موسكو أمام اختبار بالغ الحساسية. فبينما حرصت روسيا على مدى عقود على الحفاظ على علاقات ودية مع إسرائيل، لم تتوقف عن توطيد تحالفها الاستراتيجي مع طهران، لا سيما في ظل العقوبات الغربية المتصاعدة ضد النظام الإيراني والحرب الطويلة في أوكرانيا.
الضربات الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت منشآت نووية وعسكرية داخل إيران، ورد طهران بالطائرات المسيّرة والصواريخ، ألقيا بظلال ثقيلة على هذا التوازن الهش. هذه التطورات أحرجت موسكو، وجعلتها تسير على خط دبلوماسي دقيق، يتطلب جهداً غير عادي للحفاظ على علاقاتها المتشابكة دون الانزلاق إلى طرف ضد آخر.


المواقف الروسية.. إدانة محسوبة وحدود الدعم


تحرك الكرملين بسرعة لإجراء اتصالات هاتفية مع الطرفين. ففي اتصاله بالرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، أدان فلاديمير بوتين الغارات الإسرائيلية، مقدّماً تعازيه، ومجدداً استعداد روسيا للوساطة. في الوقت نفسه، تواصل مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مؤكداً ضرورة ضبط النفس والعودة للمسار الدبلوماسي.
البيانات الرسمية الروسية حملت لهجة شديدة تجاه إسرائيل، لكنها لم تخرج عن حدود "الدعم السياسي" لإيران، وهو ما يكشف توازن موسكو بين التنديد الكلامي وعدم اتخاذ أي إجراءات عملية من شأنها إفساد علاقتها مع تل أبيب.
روسيا كوسيط محتمل.. طموح دبلوماسي أم حسابات اقتصادية؟
تطرح الأزمة فرصة محتملة لروسيا للعب دور الوسيط الدولي، لا سيما بعد إعلان استعدادها لأخذ اليورانيوم المخصب الإيراني وتحويله إلى وقود مدني، وهو طرح قد يحظى بقبول أميركي في حال عودة المفاوضات النووية، رغم ضآل احتمال ذلك بعد الضربات الأخيرة.
هذا الطموح لا يبدو نابعًا فقط من حرص دبلوماسي، بل من إدراك موسكو لاحتمالات المكاسب الجانبية. فالتوتر في الشرق الأوسط يعني ارتفاعاً متوقعاً في أسعار النفط، وهو ما قد يدعم الاقتصاد الروسي المتأزم بفعل العقوبات والحرب في أوكرانيا.

العلاقات مع طهران: من العداء إلى الشراكة


تحولت العلاقات الروسية الإيرانية من التوتر خلال الحرب الباردة إلى شراكة استراتيجية متقدمة في العقود الأخيرة، توّجت بمعاهدة شاملة مطلع عام 2025، شملت التعاون العسكري والتكنولوجي.
وقد لعبت روسيا دوراً محورياً في تطوير البنية النووية الإيرانية، وأسهمت في تخفيف العزلة الدولية عنها، خصوصاً بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي في عهد ترمب.
ومع اندلاع الحرب السورية، كان الحلف بين موسكو وطهران واضحاً بدعم نظام الأسد، رغم فشلهما في منع سقوطه نهاية 2024. كما اتهم الغرب طهران بتزويد روسيا بطائرات مسيّرة دعماً لحربها في أوكرانيا، في مؤشر على تزايد عمق التعاون العسكري بينهما.
العلاقات مع إسرائيل: ودٌ لا يُخفي التوجس
رغم التاريخ السوفياتي في دعم العرب، فإن العلاقات الروسية – الإسرائيلية تطورت بقوة بعد 1991. فقد جمعت بوتين ونتنياهو علاقات شخصية وثيقة، واتسمت العلاقة بين البلدين بتنسيق أمني دقيق في سوريا، خاصة لتجنب صدام مباشر رغم الضربات الإسرائيلية المتكررة ضد أهداف إيرانية.


إلا أن هذه العلاقة لم تخلُ من توترات، أبرزها حادثة إسقاط الطائرة الروسية عام 2018، والتي رغم تحميل موسكو المسؤولية غير المباشرة لإسرائيل، لم تؤدِّ إلى قطيعة، ما يعكس مرونة الطرفين.
ورغم تزويد موسكو لإيران بمنظومات دفاع جوي، فإنها أحجمت عن تسليم طهران طائرات «سو-35» المتطورة، ربما تجنباً لإغضاب إسرائيل. بالمقابل، امتنعت تل أبيب عن تسليح أوكرانيا، ما فُسّر كمراعاة واضحة لمصالح موسكو.

الفرص والمخاطر لروسيا


فرصة للوساطة الدولية: تمتلك موسكو موقعاً فريداً للتوسط بين الطرفين بحكم علاقاتها المتوازنة مع كليهما، وقد تستثمر ذلك في استعادة حضورها الدولي وتخفيف عزلتها الغربية.


تعزيز النفوذ الإقليمي: تصعيد التوتر يمنح روسيا فرصة لتوسيع نفوذها في ملفات الشرق الأوسط، من الملف النووي الإيراني إلى القضية السورية.


استفادة اقتصادية غير مباشرة: ارتفاع أسعار النفط المحتمل من شأنه دعم الاقتصاد الروسي، وتخفيف أثر العقوبات، كما أشار بعض المحللين المقربين من الكرملين.


تحويل الأنظار عن أوكرانيا: أي تصعيد واسع في الشرق الأوسط سيشغل العواصم الغربية ويضعف تركيزها على دعم كييف، وهو ما قد يخدم أهداف روسيا الميدانية.

موضوعات متعلقة