ترامب وسياسة ”المسرح السياسي” لحل الأزمة الأوكرانية.. مبادرة الفاتيكان بين الرمزية والواقع

في خطوة تعكس أسلوبه المألوف في الدمج بين الرمزية السياسية والإثارة الإعلامية، صرّح الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مساء الاثنين، بأن عقد مفاوضات سلام بين روسيا وأوكرانيا في الفاتيكان سيكون "رائعاً"، لما قد تضيفه هذه الخطوة من أهمية رمزية وروحية على مسار المفاوضات. كما كشف ترامب عن أنه طلب لقاء مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في محاولة لإيجاد مخرج للنزاع المستمر بين موسكو وكييف.
وخلال مؤتمر صحفي في حديقة الورود بالبيت الأبيض، أجاب ترامب على سؤال حول ما إذا كان قد بادر بطلب لقاء بوتين بشأن الأزمة الأوكرانية، قائلاً: "بالطبع، تحدثت معه. قلت له: متى سننهي هذا النزيف؟ هذه المجزرة؟ أنا أعرفه منذ وقت طويل، وأعتقد أنه يريد إنهاءها". وأضاف أنه يحمل "خطاً أحمر" في ذهنه لن يعلن عنه حالياً، لكنه يحدد مدى استمراره في الضغط بهذا الملف.
رجل أوكرانيا القوي
في موازاة ذلك، لم يغفل ترامب الإشارة إلى الجانب الأوكراني، حيث وصف الرئيس فولوديمير زيلينسكي بـ"الرجل القوي"، معبّراً عن اعتقاده بأن الأخير يريد أيضاً إنهاء الحرب، ما يعكس محاولة ترامب الظهور كوسيط متزن بين طرفي الصراع.
الفاتيكان: وساطة رمزية أم منصة تفاوض حقيقية؟
تزامنت تصريحات ترامب مع تلميحات حول استعداد الفاتيكان، ممثلاً بالبابا، للعب دور مضيف للمفاوضات المحتملة، وهو ما طرح تساؤلات حول البُعد الرمزي والديني لمثل هذا التحرك. فالفاتيكان، الذي يمثل حياداً تاريخياً في النزاعات العالمية، يحمل رمزية السلام، لكن فعاليته كموقع للتفاوض في نزاع معقّد جيوسياسياً وعسكرياً كالصراع الروسي-الأوكراني تبقى محل شك.
تسوية مستعصية.. وتفاصيل شائكة
على الجانب الروسي، أكّد المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف، الثلاثاء، أن الحديث عن جدول زمني محدد لتوقيع مذكرة تفاهم أمر سابق لأوانه، مشيراً إلى أن المفاوضات لا تزال غارقة في "تفاصيل الشيطان"، بحسب تعبيره، ما يعكس حجم العقبات التقنية والسياسية التي تعرقل التوصل إلى اتفاق حقيقي.
من جانبه، أشار بوتين عقب اتصال هاتفي مع ترامب إلى استعداد بلاده للعمل على مذكرة تفاهم تتضمن وقفاً لإطلاق النار، داعياً إلى إيجاد "حلول وسط" ترضي جميع الأطراف، ما يشير إلى تراجع نسبي في لهجة التشدد الروسية، دون أن يعني ذلك بالضرورة تحولاً استراتيجياً.
التحركات السابقة: تقدم تكتيكي لا استراتيجي
ترامب، الذي عاد إلى البيت الأبيض في يناير الماضي، كثّف منذ توليه منصبه التواصل مع الكرملين، في محاولة لصياغة اختراق سياسي، إلا أن النتائج لا تزال محدودة. ففي فبراير، وبعد مكالمة هاتفية مع بوتين، بدأت محادثات في السعودية، لكنها لم تسفر عن نتائج حاسمة، وأثارت حفيظة الحلفاء الأوروبيين وأوكرانيا.
وفي مارس، أعلن ترامب عن "موافقة مبدئية" من بوتين على وقف محدود للهجمات الروسية على البنية التحتية للطاقة الأوكرانية، لكن هذا الوقف سرعان ما انهار، في ظل تمسك موسكو بعدم توسيع نطاق الهدنة.
اللافت أن الأسبوع الماضي شهد أول لقاء مباشر بين مسؤولين روس وأوكرانيين منذ أكثر من ثلاث سنوات، بوساطة تركية، وهو ما قد يمثّل بداية لمسار تفاوضي جديد، وإن ظل مشوباً بالحذر وعدم الثقة المتبادلة.
بين استعراض النفوذ وصناعة السلام
تسعى إدارة ترامب إلى تقديم نفسها كوسيط قادر على "تحقيق ما عجز عنه الآخرون"، مستفيدة من أسلوب الرئيس المثير للجدل وقدرته على خلق زخم إعلامي حول كل تحرك. لكن بين دعوات الفاتيكان، والمكالمات الهاتفية، والتصريحات المتفائلة، يبقى التساؤل قائماً: هل يملك ترامب فعلاً أدوات التأثير لإنهاء حرب تتجاوز حدود الجغرافيا، وتتشابك مع موازين القوة الدولية ومصالح التحالفات؟
في الوقت الحالي، لا يبدو أن ثمة حلولاً سريعة أو مسارات واضحة، لكن ما يتضح يوماً بعد يوم أن الحرب الأوكرانية لم تعد شأناً أوروبياً صرفاً، بل ساحة مفتوحة لكل من يريد إعادة رسم صورته على المسرح الدولي.