روسيا في قلب معادلات الشرق والغرب.. هل تنجح روسيا في لعب دور ”صانع السلام”؟

في تطور لافت على الساحة الدولية، برزت روسيا مجدداً كلاعب محوري يحاول الاستفادة من التبدلات الجيوسياسية لتثبيت موقعه كوسيط دولي، سواء في ملفات الشرق الأوسط، أو النزاع الأوكراني المتواصل منذ أكثر من عامين. الكرملين أعلن اليوم عن مباحثات جرت بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الإيراني المنتخب حديثاً، مسعود بزشكيان، تطرقت إلى المحادثات الإيرانية-الأميركية، وأكد خلالها بوتين استعداد موسكو لتسهيل حوار يفضي إلى "اتفاق عادل" بين الطرفين.
روسيا تسعى إلى توسيع دورها في الشرق الأوسط
يبدو أن الكرملين يستثمر في علاقته الاستراتيجية مع طهران لمحاولة إحياء مسار التفاوض المتعثر بين إيران والولايات المتحدة حول الملف النووي وملفات إقليمية أخرى. موسكو التي تنظر بعين القلق إلى النفوذ الأميركي المتنامي في المنطقة، ترى في وساطة نشطة مع إيران فرصة لتعزيز نفوذها وقطع الطريق على تسويات أحادية تقودها واشنطن أو قوى إقليمية منافسة.
تأكيد بوتين على تسهيل حوار منصف يعكس رغبة روسيا في استعادة دورها كـ"ضامن دولي"، خاصة في ظل التغيرات الكبيرة التي يشهدها الإقليم: من الانفتاح السعودي-الإيراني، إلى إعادة تموضع الولايات المتحدة في المنطقة. كما تطرق الزعيمان الروسي والإيراني إلى مشاريع طاقة كبرى، في تلميح إلى استمرار التنسيق في مواجهة العقوبات الغربية، واستغلال موارد الطاقة كأداة استراتيجية في العلاقات الدولية.
ترامب يتحدث عن "فرصة للتسوية"
في جانب آخر من التطورات، تحدث الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عن وجود رغبة لدى موسكو وكييف بالتوصل إلى تسوية للنزاع الأوكراني، مرجحاً أن يكون انخفاض أسعار النفط عاملاً ضاغطاً على روسيا يدفعها باتجاه التهدئة. تصريح ترامب، الذي يأتي في ظل حملة انتخابية محمومة، يحمل عدة أبعاد:
إشارة إلى إمكانية لعب دور وساطة مباشر إذا ما فاز مجدداً بالرئاسة.
تلميح إلى تراجع زخم الحرب اقتصادياً على روسيا، رغم صمودها النسبي أمام العقوبات.
رغبة بتمييز موقفه عن إدارة بايدن، التي تواصل دعم أوكرانيا دون أفق سياسي واضح.
كما أشار ترامب إلى أن بوتين "أصبح أكثر حرصاً على السلام"، وهي عبارة قد تكون موجهة للرأي العام الأميركي لتصوير نفسه كقادر على إنهاء واحدة من أعقد النزاعات الجيوسياسية في العقد الأخير.
لقاءات وتواصل محدود بين واشنطن وموسكو
اللافت أن آخر قمة مباشرة بين بوتين ورئيس أميركي كانت مع جو بايدن في جنيف عام 2021. أما في عهد ترامب، فقد جرت عدة محادثات هاتفية هذا العام بينه وبين بوتين، ما يعكس قنوات تواصل مفتوحة ولو غير رسمية بين الطرفين، ربما تتجاوز الحكومة الأميركية الرسمية في بعض الأحيان. هذا يفتح باب التساؤلات: هل يعود ترامب برؤية سياسية مختلفة إذا فاز؟ وهل تكون موسكو بوابته للعودة إلى القيادة الدولية من بوابة السلام؟
ما بين طهران وواشنطن، وبين موسكو وكييف، تحاول روسيا رسم صورة جديدة لدورها، ليس كخصم دائم للغرب، بل كـ"وسيط مدروس"، يستثمر التوازنات ويستخدم أدواته الاقتصادية والسياسية في توقيت حرج. لكن تبقى هذه المبادرات مرتبطة بتعقيدات كثيرة:
مدى استعداد واشنطن للقبول بوساطة روسية في الملف الإيراني.
مدى واقعية الحديث عن تسوية أوكرانية في ظل استمرار العمليات العسكرية.
موقف الحلفاء الأوروبيين والأطلسيين من أي تقارب بين ترامب وبوتين.
إذًا، ما تطرحه موسكو ليس جديدًا، لكنها تعيد تقديم نفسها عبر عناوين "الحوار" و"التوازن" في عالم يبدو أنه على شفا تصادمات أكبر. السؤال الجوهري: هل العالم مستعد لمنح روسيا هذا الدور في زمن تشظي الثقة الدولية؟