إسرائيل تُصعّد في غزة.. سيناريوهات مفتوحة بين إملاءات الحرب ونداءات المجاعة

بينما تتفاقم الكارثة الإنسانية في قطاع غزة، تتجه إسرائيل نحو تصعيد جديد في حربها المستمرة منذ أكثر من 19 شهراً. تشير مؤشرات سياسية وعسكرية متعددة إلى أن حكومة بنيامين نتنياهو تمضي قدماً في تنفيذ خطة توسعة للعمليات العسكرية، تشمل لا فقط القطاع المنكوب، بل تمتد إلى جبهة الجنوب السوري أيضاً، في تحرك يعكس حسابات أمنية أوسع تتجاوز غزة إلى الصراع الإقليمي.
وفي هذا السياق، تقرر تأجيل زيارة نتنياهو لأذربيجان، في إشارة إلى أولوية التطورات الميدانية، لا سيما مع تحركات الجيش الإسرائيلي لاستدعاء 60 ألفاً من جنود الاحتياط، وتحديد أهداف جديدة في سوريا تحت ذريعة تحييد "التهديدات القريبة من الحزام الأمني" قرب دمشق.
أزمة إنسانية تخنق غزة
على الأرض، يعيش أكثر من مليوني فلسطيني في غزة تحت حصار مشدد، زادت حدته منذ استئناف القتال في مارس الماضي. ومع منع إسرائيل دخول المساعدات الإنسانية، أعلنت منظمات دولية وأممية عن نفاد مخزوناتها من الغذاء، محذّرة من "مجاعة وشيكة". تصريحات المتحدثة باسم "الأونروا"، جولييت توما، تعكس واقعاً مأساوياً، إذ تحدثت عن أطفال ينامون جوعى، وآلاف الشاحنات الإغاثية العالقة على أبواب غزة.
وتُظهر صور حديثة لمدينة رفح من الجو حجم الدمار الهائل، مع إعلان "الأونروا" أن المدينة باتت "مسحوة من الوجود"، فيما تم تهجير 150 ألف فلسطيني قسراً بعد أن شملت أوامر الإخلاء 97% من مساحة المدينة.
انقسام داخلي وضغط شعبي
في الداخل الإسرائيلي، تتزايد الضغوط على حكومة نتنياهو، حيث خرجت مظاهرات حاشدة في تل أبيب للمطالبة بالإفراج عن الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس عبر التفاوض، وتحذير من أن التصعيد يعرض حياتهم للخطر، كما يعمّق من مأزق الرهائن العالق منذ شهور.
خلاف دبلوماسي مع قطر
في موازاة ذلك، شهدت الساحة الدبلوماسية تصعيداً في التوتر بين إسرائيل وقطر، الوسيط المحوري في مفاوضات الهدنة وتبادل الأسرى، بعد اتهامات متبادلة بـ"تخريب" المحادثات. تصريحات نتنياهو الأخيرة ضد الدوحة، واتهامه لها بـ"اللعب على كلا الجانبين"، قوبلت برفض قطري قاطع، إذ وصفت الخارجية القطرية الخطاب الإسرائيلي بأنه "تحريضي وغير مسؤول"، متهمة تل أبيب بمحاولة تغطية جرائمها بحق المدنيين من خلال سرديات زائفة عن "الحضارة والهمجية".
مفاوضات رهائن تراوح مكانها
في ظل هذا التوتر، يتواصل الجمود في مفاوضات وقف إطلاق النار، حيث تتمسك إسرائيل بضرورة نزع سلاح "حماس" وإقصائها من حكم غزة، بينما تصر الحركة على وقف القتال وانسحاب القوات الإسرائيلية كشرط لإطلاق سراح بقية الرهائن، الذين تقول تل أبيب إن عددهم 59، بينهم 24 لا يزالون على قيد الحياة.
تصعيد متعدد الجبهات
في تطور ميداني لافت، امتدت الهجمات الإسرائيلية لتشمل مواقع في شمال غزة، ومحيط مستشفى المعمداني، في وقت أعلن فيه الجيش الإسرائيلي عن مقتل جنديين في منزل مفخخ بمدينة رفح، وإصابة آخرين. وتتزامن هذه التحركات مع تسريبات عن مباحثات أميركية-إسرائيلية تبحث آلية جديدة لإيصال المساعدات إلى غزة دون المرور بـ"حماس".
ما يجري حالياً في غزة ليس مجرد تصعيد عسكري، بل انعطافة حادة في طبيعة الصراع، تتداخل فيها العوامل الإنسانية والعسكرية والدبلوماسية. فإسرائيل تسعى لتحقيق أهداف استراتيجية عبر تصعيد ميداني قد يمتد إقليمياً، فيما يدفع سكان غزة ثمناً باهظاً لحصار خانق وانهيار إنساني، في ظل فشل الوساطات الدولية، وانقسام داخلي إسرائيلي متزايد.