من ”ضربة قاصمة” إلى محرقة مستمرة.. خطاب الحرب الإسرائيلي يتقاطع مع جرائم غزة

في تصعيد جديد لنبرة التهديد، أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، إيال زامير، وفق ما نقلته صحيفة "هآرتس"، عن استعداد قواته لتوجيه ما وصفه بـ"ضربة قاصمة" لحركة "حماس"، ملوّحًا بتكثيف العمليات العسكرية في قطاع غزة. هذا التصريح، رغم صيغته العسكرية التقليدية، يأتي في سياق دموي مستمر منذ شهور، لم تنقطع فيه الاعتداءات الإسرائيلية عن المدنيين الفلسطينيين، حيث تحوّل قطاع غزة إلى مختبر دائم لتجريب القوة المفرطة، والضربات العمياء، والحصار المركّب.
تصعيد عسكري يُخفي كارثة إنسانية
يُطرح التهديد الإسرائيلي الجديد في ظل سياق دموي مستعر؛ منذ بداية العدوان الأخير على غزة، تجاوز عدد الضحايا الفلسطينيين 37,000 شهيد، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفق بيانات وزارة الصحة الفلسطينية. وقد تم تدمير أكثر من 60% من البنية التحتية للقطاع، بما يشمل المستشفيات، والمدارس، وشبكات المياه والكهرباء، فيما لا تزال جثث المفقودين تحت الأنقاض في أحياء كرفح وخان يونس وغزة القديمة.
انتهاك صارخ لقوانين الحرب
وثقت منظمات حقوقية دولية، منها "هيومن رايتس ووتش" و"العفو الدولية"، انتهاكات إسرائيلية جسيمة، يمكن تصنيف بعضها على أنها جرائم حرب. من أبرزها:
قصف متكرر للمستشفيات ومراكز الإيواء: استهداف مستشفى الشفاء، والهلال الأحمر، ومدارس الأونروا التي تحولت لملاجئ للنازحين.
استخدام أسلحة محرمة دولياً: مثل الفوسفور الأبيض في مناطق سكنية مكتظة، كما أكدت تقارير موثقة بالأدلة البصرية.
الحصار ومنع المساعدات: عرقلة دخول الغذاء والدواء عبر المعابر، ما تسبب بمجاعة مصنّعة في شمال القطاع، وحرمان آلاف المرضى من العلاج.
الاستهداف المباشر للصحفيين والطواقم الطبية: حيث قُتل أكثر من 130 صحفياً منذ بدء الحرب، بينهم من كان يرتدي زيّ الصحافة بوضوح.
ازدواجية الخطاب السياسي الإسرائيلي
تصريحات زامير عن "خلق واقع أمني مستقر لأجيال قادمة" تتناقض جذرياً مع ما تمارسه إسرائيل على الأرض، إذ لا يُمكن تحقيق استقرار أمني عبر سياسة الأرض المحروقة. ومن اللافت أن هذه التصريحات تزامنت مع دعوة الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ لإبقاء المؤسسة العسكرية بعيداً عن الصراعات السياسية، وهو تذكير داخلي بتوتر المؤسسة الحاكمة في تل أبيب، وتزايد الانتقادات لدور الجيش في تغذية أزمات الحكم والمجتمع.
رهائن أم ذريعة؟
يعيد زامير التلويح بورقة "المحتجزين في غزة" كواحدة من المبررات الأخلاقية للتصعيد. لكن هذه الورقة، التي طالما استُخدمت سياسياً لتبرير العمليات العسكرية، تصطدم بواقع مفاده أن العدوان لا يهدف إلى استعادة رهائن بقدر ما يعكس إرادة تدمير ممنهجة للبنية الاجتماعية والسياسية في القطاع.
أفق مسدود ومجتمع دولي متواطئ بالصمت
التصعيد الخطابي والعسكري، في ظل ضعف ردود الفعل الدولية وتواطؤ بعض العواصم الغربية، يشير إلى أن إسرائيل تتحرك في فراغ سياسي دولي، يمنحها ضوءاً أخضر للاستمرار في نهجها المدمر دون رادع. وبينما تلوّح تل أبيب بـ"الضربة القاصمة"، فإن غزة تنزف بصمت العالم.
في النهاية يعد الحديث الإسرائيلي عن "ضربة قاصمة" ليس سوى امتداد لنهج قمعي دموي قائم بالفعل، هدفه خنق غزة سياسيًا وسكانياً، في ظل تغطية خطابية تزعم السعي نحو "الأمن". لكن ما يجري على الأرض يفضح الحقيقة: محرقة بطيئة، تديرها آلة عسكرية مدعومة بتواطؤ دولي، وشعب أعزل لا يزال يصمد تحت الركام.