ترامب في مفترق الطرق: سياسة الانسحاب أم التصعيد في سوريا؟
مع تولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة، يجد نفسه أمام أزمة معقدة على الصعيدين العسكري والدبلوماسي في سوريا، خاصة بعد سقوط نظام بشار الأسد. تظهر ملامح سياسة ترامب في سوريا بين الانسحاب العسكري والتدخل المحدود في النزاعات الإقليمية، في وقت تتصاعد التحديات التي تواجهها إدارته. ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، يعكس موقف ترامب تحفظًا ملحوظًا تجاه الدور الأمريكي في المنطقة، حيث يسعى إلى تقليل التورط العسكري في الشرق الأوسط.
منذ بداية حكمه، عبّر ترامب عن رغبته المتواصلة في تقليل التدخل الأمريكي في شؤون الشرق الأوسط، ووصف سوريا بأنها "أرض الرمال والموت"، مشددًا على أن الولايات المتحدة لا ينبغي أن تكون جزءًا من هذا النزاع المستمر. كما أبدى تحفظًا تجاه محاولات إعادة تشكيل الأنظمة في المنطقة، معتبرًا أن هذه الجهود هي جزء من إرث "الحروب التي لا تنتهي" التي تورطت فيها الولايات المتحدة في العقود الماضية.
لكن مع تطورات الوضع في سوريا، تواجه إدارة ترامب تحديات متعددة على الصعيدين العسكري والدبلوماسي. أبرز هذه التحديات هو قرار التعامل مع "هيئة تحرير الشام"، الجماعة التي أصبحت تسيطر على مناطق واسعة في دمشق بعد انهيار النظام السوري. وعلى الرغم من أن إدارة ترامب قد صنفت هذه الجماعة كإرهابية في عام 2018، فإن هناك دعوات من بعض الأوساط الأمريكية لإجراء اتصالات مع الهيئة، بهدف تشجيعها على تبني مواقف أكثر اعتدالًا وتعاونًا مع المصالح الأمريكية في المنطقة.
إلى جانب ذلك، تواصل الإدارة الأمريكية مواجهة قرارًا استراتيجيًا بشأن وجود القوات الأمريكية في شرق سوريا. فحاليًا، هناك حوالي 900 جندي أمريكي متمركزين في المنطقة، حيث يلعبون دورًا مهمًا في محاربة تنظيم داعش، إضافة إلى محاولة تقليص النفوذ الإيراني في تلك المنطقة. هذا الوجود العسكري الأمريكي يظل موضع جدل داخلي في الولايات المتحدة، حيث يدعو البعض إلى الانسحاب الكامل، بينما يرى آخرون ضرورة استمرار الدعم العسكري لمواجهة التهديدات الإرهابية والإقليمية.
علاوة على ذلك، يواجه ترامب ضغوطًا من حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، مثل إسرائيل التي تسعى إلى ضمان أن سوريا لا تتحول إلى ممر إمداد إيراني إلى حزب الله في لبنان. كما تواجه الولايات المتحدة ضغوطًا من تركيا، التي تحاول إقناع واشنطن بدعم "هيئة تحرير الشام" في سوريا، وتحديدا في مواجهة الأكراد الذين تعتبرهم تركيا تهديدًا للأمن القومي.
من جهة أخرى، ينعكس توجه ترامب نحو سياسة أكثر تحفظًا في اختياره لتولسي جابارد، العضو السابق في مجلس النواب الأمريكي، والتي تُعرف بمواقفها الرافضة للتدخلات العسكرية، كمدير للاستخبارات الوطنية. تولسي جابارد كانت قد أعربت في وقت سابق عن دعمها لبقاء نظام الأسد كحصن ضد الجماعات الإرهابية في سوريا، على الرغم من قلقها من سيطرة "هيئة تحرير الشام" على بعض المناطق في البلاد. هذا الاختيار يعكس رغبة ترامب في تبني سياسة أكثر تحفظًا تجاه الشؤون العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط.
في هذا السياق المعقد، يواجه ترامب مهمة صعبة في تحقيق توازن بين تقليص التورط العسكري الأمريكي وضمان حماية المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة. وهو ما يضعه أمام ضغوط داخلية وخارجية، قد تدفعه في النهاية إلى اتخاذ قرارات أكثر حسمًا وتأثيرًا في التعامل مع الوضع السوري.