اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارون رئيس التحرير محمود نفادي

دراسة حصرية لموقع ”اتحاد العالم الإسلامي”..

ظاهرة «الإسلاموفوبيا» في أوروبا وأمريكا.. المحفزات وحدود الاستمرار «الجزء الخامس»

تعبيرية
تعبيرية

إعداد: أسماء دياب، رئيس برنامج دراسات التطرف والإرهاب بمركز "رع للدراسات".


ثالثًا- الإطار التشريعي الأوروبي لمكافحة ظاهرة "الإسلاموفوبيا" وعلاقته بالواقع الإسلامي:
يُعد من أهم المبادئ التي تأسس عليها الاتحاد الأوروبي، احترام حقوق الإنسان، بما في ذلك حقوق الأقليات بموجب (المادة 2 من معاهدة الاتحاد الأوروبي)، وتم منح المجلس ولاية مكافحة التمييز بموجب المادة (19 من معاهدة عمل الاتحاد الأوروبي)، بما في ذلك التمييز على أساس العرق والدين (المادة 10 من معاهدة عمل الاتحاد الأوروبي)، بالنظر في القوة الإلزامية لميثاق الاتحاد، نجد أن ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي يتمتع بنفس القيمة القانونية للمعاهدات، بالتالي تلتزم دول الاتحاد الأوروبي بتضمين قوانينها الداخلية نصوصًا تضمن إعمال المبادئ التي نص عليها ميثاق الاتحاد، مع ذلك تؤكد مؤسسات المجتمع المدني الأوروبية أن المقترحات التشريعية التي تضمن عدم التمييز وتكافح جرائم الكراهية لا تحرز أي تقدم بسبب عرقلة إقرارها المتعمد.


ولقد أُعدت مشروعات قوانين في أكثر من دولة أوروبية، تتعلق بتجريم جرائم الكراهية ضد المسلمين، وأغلبها لم يقر حتى تاريخه، مثل مشروع قانون مقدم لمجلس العموم الكندي لإدانة العنصرية ومكافحة "الإسلاموفوبيا"؛ بسبب عرقلة إقرار القانون بفعل الأصوات المعارضة له داخل مجلس العموم وامتناع البعض عن التصويت، فيما أقر القليل من الدول الأوروبية أخيرًا مثل الدنمارك قانونًا يجرم حرق المصحف الشريف أو تمزيقه، والتوقف عن إصدار تراخيص تسمح بهذه الأعمال في التظاهرات.

وفي إطار المعالجة التشريعية لمكافحة جرائم الكراهية في الفضاء السيبراني، دخل قانون الخدمات الرقمية نوفمبر 2022 الذي أقره الاتحاد الأوروبي حيز التنفيذ، وهو ينظم الخدمات عبر الإنترنت، ويهدف إلى وضع قواعد عمل شبكة الإنترنت في الاتحاد الأوروبي، يلزم القانون الشركات بتقديم تقرير سنوي بشأن تقييم المخاطر الناجمة عن المحتوى الضار الذي ينشر على منصاتها وخططها لمواجهة ذلك.


وفي السياق ذاته؛ تمثل انعكاسات الواقع التشريعي للقوانين التي تصطدم مع الحريات الدينية إحدى مخالفات مبادئ ميثاق الاتحاد الأوروبي، حيث حظرت بعض الدول الأوروبية، منها فرنسا ارتداء الرموز الدينية في المدارس، هذا القانون تم التغلب على إلزاميته من قبل جماعة الإخوان المسلمين من خلال استغلال إتاحة انتشار المدارس الدينية الإخوانية، فاستفاد الإخوان من القانون الفرنسي الذي يجيز للطوائف الدينية افتتاح مدارس تعلم مواد دينية بجانب تعليم مناهج وزارة التربية الفرنسية.


وعليه، لم تعترض جماعة الإخوان المسلمين، بشكل رسمي على قانون الحظر (الحجاب في المدارس) كأحد الرموز الدينية لمنع الصدام مع الحكومات الأوروبية، كما فعلت الجماعات السلفية، وفي اتجاه آخر توظف الجماعة قانون الحظر للترويج لمظلومية من خلال إعلامها، ومراكز الدراسات التابعة للجماعة لتضخيم وتعميق الشعور بحالة الاضطهاد والعزلة، الذي تتعمد الجماعة ترسيخه في مجتمعاتها وفي المجتمع الأوروبي، رغم أن هذا الشأن غير مؤثر من الناحية الواقعية من حيث التنفيذ،لإتاحة الحصول على تصريح افتتاح مدرسة ببساطة في الواقع الأوروبي من قبل التنظيم.

ارتدادات ما سبق؛ تُعد سلبية على قدرة الجاليات الإسلامية من غير الإسلاميين على التعايش والاندماج في المجتمع الأوروبي، مما عمق ظاهرة "الإسلاموفوبيا" ضد المسلمين، حيث تلاحق تهم نشر التطرف والتمويل المشبوه المؤسسات التعليمية الإخوانية، ففي يناير 2020 طرح "كونستانس لجريب" وهو مساعد سابق لساركوزي، وهو الآن نائب برلماني مؤيد لماكرون، سؤالًا عن علاقة "المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية" بباريس بالتطرف الديني، حيث أكد أن المعهد يخضع لسيطرة جماعة الإخوان المسلمين، ومن خريجي المعهد شابة حكم عليها 2019 بالسجن ثلاثين عامًا لمحاولتها تفجير سيارة بالقرب من نوتردام دي باريس، ومدرس بالمعهد إمام مسجد جونيس"حسن الهواري"، أُعتقل بتهم نشر التطرف إثر الهجوم على مقر شرطة باريس، المنفذ للهجوم تردد على المسجد الذي سيطر عليه الهواري لنشر التطرف، بالإضافة لإثارة قضايا غسيل الأموال التي فتح المدعى العام تحقيقًا بشأنها، ذكر فيه أسماء إخوانية ومؤسسات تعليمية إخوانية.

أما على صعيد التشريعات الأمريكية، فقد أدرك الرئيس الأمريكي، جوبايدن، قصور التشريعات التي تكافح ظاهرة "الإسلاموفوبيا"، في ظل تراجع شعبيته بين الأمريكيين المسلمين، بسبب دعم سياساته لإسرائيل في حربها على غزة، فقد صرح البيت الأبيض بأنه يعد استراتيجية لحماية المسلمين، ومن يعتقد بأنهم مسلمون بسبب عرقهم، من التمييز والتعرض لجرائم الكراهية والعنف، والاستراتيجية عمل مشترك بقيادة مجلسي السياسة الخارجية والأمن القومي الأمريكيين.

رابعًا- معوقات القضاء على ظاهرة "الإسلاموفوبيا":

لبحث معوقات الظاهرة يلزم تقييم أسباب الظاهرة وعوامل استمراريتها وتضخيمها والأطراف التي توظف الظاهرة لمصالح سياسية، ثم تقديم المعطيات التي تمثل حائط صد أمام القضاء على الظاهرة، ثم توضيح سُبل المعالجة المتاحة بناءً على ذلك، تتلخص بواعث ومحفزات الظاهرة وعوامل استمراريتها وتضخيمها في إتاحة مساحات للعمل التنظيمي لجماعات الإسلام السياسي في أوروبا وأمريكا، نتيجة لذلك توظف جماعات اليمين المُتطرف في الغرب هذا المناخ لخدمة أهدافها السياسية والإعلان عن أجندتها الانتخابية والسياسية؛ وهذا على النحو التالي:

(1)- تحركات غير فاعلة ضد جماعات الإسلام السياسي في الغرب:


ويرى الباحث أن دول الاتحاد الأوروبي، انتبهت أخيرًا لخطر جماعة الإخوان المسلمين والجماعات الأصولية على أمنها القومي، الذي تعد أحد مخرجاته ظاهرة "الإسلاموفوبيا"، فضيقت الحصار نسبيًا على تلك الجماعات، بعد عقود من ترك الساحة الأوروبية لهم للعمل دون قيود، بدءًا بحظر بعض الدول الأوروبية لبعض رموز الجماعة عام 2019 في النمسا، وفتحت التحقيقات ضد أئمة مساجد في فيينا بتهم التحريض على الكراهية ونشر الإرهاب، وأقرت النمسا آلية تعاون على المستوى الأوروبي عام 2021 لرصد أنشطة الإخوان بين فرنسا والنمسا وبلجيكا والدنمارك، في سبيل الوصول إلى إدانات قضائية ضد الجماعة؛ تمهيدًا لتصنيفها منظمة إرهابية في الاتحاد الأوروبي.

وعلى الجانب الآخر، تركت الولايات المتحدة حتى تاريخه، المجال السياسي والدعوي والاجتماعي للجماعة للعمل بحرية، وفشلت كل المساعي التي قدمت من الكونجرس لتصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية في فترة حكم ترامب، فجاء حكم بايدن ليعيد للجماعة الحياة مرة أخرى، حيث يعد التنسيق والتعاون مع الجماعة جزءًا من سياسة الولايات المتحدة منذ الخمسينيات، مكنت الجماعة بتكوين لوبي قادر على قيادة حملات لفرض أوضاع تخدم أيديولوجية الجماعة وأهدافها، على العكس صنف البرلمان الكندي جماعة الإخوان كتنظيم إرهابي عام 2014 استجابة لالتماس تقدمت به الجالية المصرية في كندا؛ للمطالبة بحظر أنشطة الإخوان.

وترتب على المعطيات السابقة؛ أن الدول التي تأخرت -وربما تواطؤًا- في تصنيف جماعات الإسلام السياسي، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، ولم تُقدم على هذا القرار حتى تاريخه، هي الأعلى نسبًا من حيث صعود نشاط حوادث "الإسلاموفوبيا"، فالإسلام السياسي هو الوقود الحصري لتغذية مسببات الظاهرة، من خلال تحفيز مناخ الكراهية والانعزالية وصناعة مجتمع مستنفر ضد الآخر من خارج "الجيتو"الإخواني، في حين أن حالة كندا -إحدى دول أمريكا الشمالية التي سارعت بتصنيف جماعة كجماعةالإخوان كتنظيم إرهابي- تُعد الأقل من بين العينة محل الدراسة، من حيث معدل حوادث "الإسلاموفوبيا"، وهنا يشير الباحث إلى أن التصنيف يعرقل ويحد من نشاط الجماعة التنظيمي في المجال العام بالمجتمع، ويسمح للجهات الرقابية الحكومية، برقابة نشاط الجماعة وتحجيم مصادر تمويلها، في حين أن هذا التصنيف لا يسيطر على تأثير نشر ثقافة الكراهية عبر الفضاء السيبراني، بسبب أن المتحكم في الفضاء السيبراني دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، تركت سياستهم المناخ السيبراني للإتاحة الكاملة لتلك الجماعات، لكن التصنيفمن قبل (كندا) للجماعة كتنظيم إرهابي نزع عنها الشرعية في المجال السياسي والاجتماعي،بحيث أسهم في رسم الحد الفاصل بين المسلمين وجماعات الإسلام السياسي، مما حجم قدرة الجماعة على التجنيد والتأثير، فقلص من حجم الظاهرة كجزء من المعالجة .

(2) تأثير صعود جماعات اليمين المُتطرف في الغرب:


أدى نمو اليمين المُتطرف في الولايات المتحدة وأوروبا إلى تحفيز الخطاب المعادي للمهاجرين، خاصة من غير المسلمين، واستغلال تغلغل جماعات الإسلام السياسي في تلك المجتمعات لتعميم وصف التطرف والإرهاب على عموم المسلمين، مما أشعل مشاعر الكراهية أكثر ضدهم، بدأ استخدام العداء للمسلمين وقت تولي ترامب لحكم أمريكا، فقد أعلن وقت حملته الانتخابية أن الإسلام يكره الأمريكيين، واقترح حظر دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة، وتعالت الأصوات المنادية بحرق القرآن، واشتعلت التظاهرات المناهضة للمساجد بعد أسبوع من بدء حملةترامب الانتخابية، ولم يبدأ اتجاه ظاهرة "الإسلاموفوبيا" في الهبوط إلا عام 2017.


واتخذت الأحزاب اليمينية الشعبوية، الخطاب المعادي للمهاجرين واللاجئين مرتكزًا لحملاتها الانتخابية، واستهدفت المسلمين تحديدًا، فربطت بين الهجرة وضرورات الأمن، رغم أن كثيرًا من الهجمات في أوروبا بفعل مواطنين أوروبيين، ما ساهم في عزل مضاعف للمسلمين عن المجتمع الأوروبي، بل دفع البعض إلى الميل نحو التطرف كمسار اضطراري جاذب.


وقد انعكس ما سبق بشكل ملحوظ في الدول التي تولى فيها اليمين المُتطرف الحكم، مثل النمسا؛ على ضوء ذلك أخذت السُلطات النمساوية إجراءات متشددة تجاه المهاجرين، فيما يتعلق بالأشخاص القادمين من دول مسلمة بدافع الأمن المجتمعي لحماية الهوية الأوروبية، كما حقق حزب "البديل لأجل ألمانيا" اليميني المُتطرف تقدمًا في استطلاعات الرأي، مما يشير إلى أن الرأي العام بدأ يميل إلى توجهات الأحزاب الشعبوية، متأثرًا بخطابه المروج للأفكار القومية، كما حصدت "مارينلوبان" اليمينية على 41.5% من الأصوات في الانتخابات الفرنسية الأخيرة، ونفس التقدم حققته الأحزاب اليمينية في عدة دول أوروبية، كإيطاليا والمجر والسويد، مما يعكس رفضًا مجتمعيًا لسياسة الباب المفتوح التي تنتهجها أوروبا تجاه المهاجرين منذ سنوات.

ويرى الباحث، أنه بتحديد النطاق الزمني لذروة صعود الأحزاب اليمينية، سواءً في أوروبا، أو أمريكا في آخر 6 سنوات، وبداية خطابها المعادي للإسلام لا يتجاوز عشريتين في أقصى التقديرات، ويتضح أن تأثير أحزاب اليمين المُتطرف في خلق ظاهرة "الإسلاموفوبيا" نتيجة وليس سببًا، حيث نشأت الظاهرة وتجذرت قبل صعود اليمين وهيمنة تأثيره على المجتمع الأوروبي، فدور اليمين كما هو واضح من تحليل المعطيات، يتلخص في استغلال الظاهرة وتوظيفها لتحقيق سياساته وليس نشوء الظاهرة أو صناعة مسبباتها، يدعم التحليل محل البحث حالة كندا التي تحكمها سياسات ليبرالية ويسيطر عليها حزب الأحرار الكندي، حيث تمثل وتعبر الحركات اليمينية عن الأقلية في كندا، مع ذلك توجد بها نسب من ظاهرة "الإسلاموفوبيا"، بفعل وجود جماعات الإسلام السياسي وتجذرها منذ الستينيات وعدم السيطرة عليها أو تقويضها بشكل كامل.


ومُجمل القول؛ إن ظاهرة "الإسلاموفوبيا"،الخوف من الإسلام، كلمة فوبيا في تعريف علم النفس الإكلينيكي تعني: الخوف غير المسبب من أشياء ليست بطبيعتها مخيفة لأغلب الناس، وهو مخالف لما نعنيه بالظاهرة محل الدراسة في الخوف من الإسلام أو المسلمين، وفق ما وصلت إليه النتائج، له أسبابه ومحفزاته، وبناءً عليه؛ علينا التوقف عن وصف السلوكيات العدائية تجاه المسلمين "بالإسلاموفوبيا"، وتسمية كل جريمة حسب تكيفها القانوني، ليتضح الخط الفاصل بين العداء ضد المسلمين، ونزع الشرعية عن أفعال جماعات الإسلام السياسي، مثل توصيف الحوادث ضد المسلمين بالتمييز، جريمة كراهية، اعتداء، لكي لا نسهم خطأً في خدمة أهداف جماعات الإسلام السياسي، وتعميق العزلة والاغتراب.

وعلى ما سبق، يمكن التأكيد على أن تأصيل الأمر بشكل علمي، والإقرار بأسباب الظاهرة، هو بداية المعالجة، فإذا كان الغرب يكره الإسلام والمسلمين ابتداءً، فكيف سمح بدخول ملايين المسلمين وتوطينهم ومنحهم الجنسية على مدار سنوات؟، وكيف سمح ببناء المساجد والمؤسسات والاستثمارات الإسلامية؟، إذن الاعتراف بأن بداية المعالجة بتقويض الفكر المُتطرف وسحب الشرعية من جماعات الإسلام السياسي؛ لإنقاذ المسلمين من تبعات ذلك وتبرئة للدين الإسلامي من تهمة الإرهاب، ثم حل الأزمات التي تسببت في صعود اليمين المُتطرف في أوروبا، ودعم المؤسسات والمنظمات الإسلامية لبناء استراتيجيات توضح الصورة الحقيقية للإسلام في المجتمعات الغربية.

موضوعات متعلقة