اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارون رئيس التحرير محمود نفادي

دراسة حصرية لموقع اتحاد العالم الإسلامي..

ظاهرة «الإسلاموفوبيا» في أوروبا وأمريكا.. المحفزات وحدود الاستمرار «الجزء الرابع»

تعبيرية
تعبيرية

إعداد: أسماء دياب، رئيس برنامج دراسات التطرف والإرهاب بمركز "رع للدراسات".
(3)- توظيف بعض أحزاب اليمين المُتطرف في أمريكا الشمالية وأوروبا للظاهرة، وعلاقته بصعودها:
تُعادي الأحزاب اليمينية المُتطرفة قيم الديمقراطية والمساواة وحقوق الأقليات، التي تعتبر مبادئ أساسية في أمريكا وأوروبا، وعليه تظهر العداء للمهاجرين، وفي ظل صعود شعبية بعض الأحزاب اليمينية في أوروبا، يسعى السياسيون إلى تبني خطاب أكثر تشددًا تجاه المهاجرين، خاصة المسلمين، فمنذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، بدأت ظاهرة "الإسلاموفوبيا" في التواجد في الأوساط الأوروبية.

تؤكد التقارير الأوروبية "المكتب الأوروبي حول الحقوق الأساسية"، أن واحدًا من ثلاثة مسلمين في أوروبا يتعرض للتمييز العنصري، كما تشير بعض الدراسات إلى أن 50% من المسلمين تعرضوا للتمييز العنصري، مُقابل 9% من غير المسلمين تعرضوا للعنصرية.

ويرى الباحث أن الأحزاب اليمينية، تبنت السبق بخطاب "الإسلاموفوبيا" في الغرب، بل أن مبادئ هذه الأحزاب توصف بأنها مبادئ "الإسلاموفوبيا"، فتبنت استراتيجيات مشتركة عبر وطنية ضد أسلمة أوروبا، وترددت في أوساط اليمين أن المسلمين الذين يمثلون حضارة دونية يمثلون تهديدًا للهوية الأوروبية، من خلال السماح لهم بالتغلغل والنفوذ، ويقوم الفكر اليميني المُتطرف على مفاهيم استعلائية، كما الفكر الأصولي.

ويؤكد الباحث أن صعود اليمين المُتطرف في بعض دول أوروبا (النمسا وفرنسا وبريطانيا) بالانتخابات التي أجريت من 2016_2019، سواءً فوز حزب "البديل" اليميني الشعبوي في ألمانيا، بأول منصب قيادي على مستوى البلديات في ولاية "تور نغن" شرقي البلاد، وحصول حزبيين يمينيين في انتخابات 2017 داخل النمسا على 60% من الأصوات في الانتخابات التشريعية، عزز من خطاب الكراهية ضد المسلمين، كما أن فوز حزب "بريكسيت"بنسبة 32.84% من الأصوات في انتخابات 2019 ببريطانيا، ساعد على قيام الجماعات اليمينية في هذه الدولة بتأجيج التوترات ضد المهاجرين المسلمين، إثر توزيع منشورات تحريضية على أبواب المنازل وتنظيم مسيرات مناهضة للمهاجرين.

كما أن حصول المرشحة "مارين لوبان" اليمينية على أصوات مقاربة بنسبة 41.5% من إيمانويل ماكرون في انتخابات الرئاسة الفرنسية 2022، أعطى قوة لتأثير الخطاب اليميني على صانع القرار والشارع الأوروبي، وهو ما انعكس على خطاب اليمين الفرنسي تجاه جماعة الإخوان المسلمين والإسلام الأصولي عمومًا، فقد قالت "لوبان": "إن الحديث عن وجود موقف لديها من الإسلام أمر غير صحيح، وإن جماعة الإخوان هي مقصد الحملة التي يشنها اليمين الفرنسي على المسلمين"، مؤكدة أن جماعة الإخوان هي التي تروج ذلك كذبًا، مشيرة إلى أنها تؤمن بالعلمانية، وترى أن من حق أي شخص اختيار دينه.

وأكدت "لوبان" أن الإخوان المسلمين لابد أن يخافوا منها؛ لأنها ستعمل على تطهير فرنسا منهم، مشيرة إلى أنها ستغلق المساجد التي تتبع السلفيين والإخوان؛ لأنهم ينشرون من خلالها الأصولية الإسلامية، كما قالت لوبان في لقاء جمعها مع شيخ الأزهر، أحمد الطيب، في القاهرة: "إن فكر الإخوان هو منبت إيديولوجية المشروع السياسي (للدولة الإسلامية) الذي يرتكب جرائم في العراق وسوريا وليبيا"، ويتوافق معها في هذا التوجه "فرنسوا فيون" مرشح أحزاب اليمين في الانتخابات الفرنسية 2017، الذي طالب بحظر جميع المنظمات التابعة لجماعة الإخوان في فرنسا.

فيما يخص دول أمريكا الشمالية؛ فقد وصل الرئيس الأمريكي السابق "ترامب"إلى الحكم في 2017، وبنى حملته الانتخابية وقتها على خطاب معادٍ للمهاجرين بشكل عام، والمسلمين على وجه الخصوص، وبدأ ترامب خطابه قبل هذا التاريخ، إذ قال في عام 2016 بمدينة الرياض السعودية: "أعتقد أن الإسلام يكرهنا"، كما قال ترامب بعد الهجمات التي تعرضت لها بروكسل: "يتعين عليك التصدي للمساجد، أعجبك أو لم يعجبك ذلك، فهذه الهجمات لم تخرج من العدم، ولم يرتكبها سويديون". ويرى الباحث أنه رغم تغيير الرئيس الأمريكي "بايدن" الخطاب الأمريكي ضد المسلمين منذ توليه السلطة 2020، إلا أن أصداء الخطاب اليميني على الشارع الأمريكي، لا تزال موجودة بنسبة معتبرة، على الجانب الآخر يتراجع تأثير خطاب اليمين في كندا وانعكس على وجود ظاهرة "الإسلاموفوبيا" في المجتمع الكندي، حيث تسجل كندا أقل أعداد حوادث "الإسلاموفوبيا"؛ بسبب أن الأحزاب اليمينية تمثل الأقلية داخل هذه الدولة.
الجدير بالذكر، أن الأحزاب اليمينية انشغلت منذ ظهورها في ستينيات القرن الماضي، بالتخطيط ومحاولات الانقلاب، من خلال أعمال تفجير محطات القطار والمباني الحكومية والبنوك، على الأنظمة الأوروبية، بالتالي اكتسبت مظهرًا غير شرعي حال دون تأثيرها على المجتمعات الغربية في الثمانينيات والتسعينيات، وأدى انهيار الاتحاد السوفيتي في التسعينيات إلى بداية خلق مساحة للتيارات اليمينية في التواجد، ولم تكون قاعدة تأييد مؤثرة غير في العشرية الأخيرة، بحيث أصبحت تحمل خطابًا يتوافق مع توجهات الأوروبيين ومصالحهم، ما مكنها من الصعود في انتخابات عدة دول.

بناءً على ما سبق، يرصد الباحث ثلاث مراحل للظاهرة، الأولى هي مرحلة ما بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، والثانية، هي مرحلة ما بعد أحداث 2015 في باريس، أما الثالثة، فتتمثل في مرحلة ما بعد أحداث غزة 7 أكتوبر 2023، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:
المرحلة الأولى، مرحلة ما بعد أحداث (11 سبتمبر 2001): ارتفعت عقب أحداث تفجير برجي التجارة العالمي في 2001 حملات تبناها نشطاء من كل التوجهات وتزعمها اليمين المُتطرف ضد الإسلام والمسلمين، لتصوير الإسلام باعتباره تهديدًا شيطانيًا يجب القضاء عليه، وتم تمويل مواقع ومنظمات ونشطاء منهم من يشغل مناصب في مجالس المدن والمجالس التشريعية بالولايات المتحدة يعملون لشحن هذا التوجه، وأشعلت تلك الحملات حالة "الإسلاموفوبيا" في المجتمع الأمريكي والأوروبي، خاصة مع تزامن هذا مع احتفاء الجماعات المُتطرفة بالنصر على الغرب الكافر، حيث بثت قناة الجزيرة حينها حديثًا لأسامة بن لادن، قال فيه: "ها هي أمريكا التي وجه الله لها ضربة استهدفت أبنيتها.. وأنا أشكر الله أننا هزمنا بوش قائد الكفار في العالم".
يُؤكد الباحث، أنه بقراءة مؤشر حوادث العنف ضد المسلمين داخل أمريكا، نجده اتجه بشكل عنيف إلى الصعود، وسجل خمسة عشر ضعفًا بين قبل 2001 وبعدها، حيث وقع 31 حادثًا ضد المسلمين في العام 2000 وبعد 2001، وصل عدد الحوادث إلى 546 حادثا، ثم تراجع مؤشر الحوادث في السنوات التالية ليثبت عند متوسط 159 حادثًا، ما يعزز ارتباط ارتفاع معدلات ظاهرة "الإسلاموفوبيا" بوقوع عمليات تتبناها جماعات الجهاد العالمي، بالتالي إعلان جماعات الإسلام السياسي لخطاب إعلان الحرب على الحضارة الغربية، هو المحفر الرئيسي الذي توظفه وتستغله جماعات اليمين المُتطرف بدورها في الغرب لتغذية الظاهرة، والملاحظ أن فترة بداية الألفية الثانية كانت جماعات اليمين المُتطرف لا تزال ذات تأثير ضعيف جدًا داخل المجتمعات الغربية.
المرحلة الثانية، تبدأ منذ أحداث باريس (13 نوفمبر 2015): استهدف 10 عناصر ينتمون "لتنظيم الدولة" عدة مواقع في باريس في 13 نوفمبر 2015، قُتل فيها 130 شخصًا وأُصيب العشرات، والجدير بالذكر أن هذه الأحداث كانت الأعنف، تلتها سلسلة من العمليات الإرهابية لمحاولة تفجير كنيسة في "فيل جويف" 2014 قرب باريس، مذبحتا تولوز، ومون توبان 2012، ووقعت أحداث "شارلي إبدو" مطلع 2015، في السابع من يناير وتبنى الهجوم تنظيم "القاعدة"، حيث حدث الهجوم بأوامر مباشرة من أيمن الظواهري، ووقعت أحداث أخرى على إثر ذلك في باريس.

ويرى الباحث أنه، بالنظر في دوافع هجوم شارلي أبدو، وجد أنه وقع كرد على إعادة نشر الصحيفة رسومًا كاريكاتيرية مسيئة عن النبي "محمد" صلى الله عليه وسلم، وجاءت هذه الرسوم كرد على هجمات السفارة الأمريكية 2012، وعقبت تلك الهجمات مظاهرات حاشدة نظمتها جماعة (الأوروبيون الوطنيون ضد أسلمة الغرب) ضمت أكثر من 18 ألف شخص، قابلها ثلاث هجمات بالقنابل على مسجد في السويد في غضون أيام؛ ما دفع وزيرة الثقافة السويدية لدعوة الحكومة إلى التدخل لمواجهة رهاب الإسلام. وفي سياق هذه الأحداث؛ صدر قبل الهجوم (نفس اليوم) عدد لصحيفة "شارلي إبدو" لموضوع تخيلي للكاتب"ميشيل ويليبيك"، يتصور مستقبل فرنسا مع تولي رئيس إسلامي مقاليد السلطة، تخيل أن تفوز "جماعة الإخوان المسلمين" بجولة إعادة في الانتخابات ضد "حزب الجبهة الوطنية" الذي تقوده "مارين لوبان" الأمر الذي يترك الناخبين بين خيارين، كلاهما انتخاب مرشح مُتطرف، هذا التصور من الكاتب يعكس المشهد بدقة ويعطي صورة روائية لحدود ومسببات ظاهرة "الإسلاموفوبيا."

يُؤكد الباحث أنه بقراءة الأرقام لأحداث "الإسلاموفوبيا" عام 2015 وما بعدها في أوروبا، يمكن كشف الارتباط بين وقوع هجمات باريس الإرهابية وارتفاع مؤشر حوادث رهاب الإسلام، حيث سجل (تقرير جرائم الكراهية 2015) الصادر عن "مكتب المؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان" التابع لـ"منظمة الأمن والتعاون في أوروبا"، مجمل الحوادث ضد المسلمين في أوروبا عن تلك الفترة، ستة آلاف و811 جريمة، شهدت بريطانيا ألفين و581 حالة اعتداء وفي فرنسا بلغ عدد الحوادث 450 جريمة بزيادة ثلاثة أضعاف عن عام 2014 الذي سجل 153 جريمة، بين إضرام النار في مساجد واعتداء بالضرب وتهديد وإتلاف ممتلكات، وفى هذه الفترة يلاحظ أن تأثير خطاب اليمين المُتطرف امتد في أمريكا وأوروبا بشكل عنيف، مستغلًا الأحداث المذكورة.

المرحلة الثالثة، تتمثل في أحداث غزة بين "حماس وإسرائيل" (7 أكتوبر 2023): يُلاحظ الباحث تضاعف أعداد حوادث "الإسلاموفوبيا" تجاه المسلمين، على إثر أحداث غزة بين حماس وإسرائيل على صورة حوادث "الذئاب المنفردة"، بحيث يقع بشكل يومي حادث على الأقل، سواءً في أوروبا أو أمريكا، حيث يصرح الجاني ويهلل أثناء ارتكاب الجريمة أنه يفعل ذلك لضرورة الخلاص من المسلمين، أولا لأن المسلمين يستحقون القتل، حيث صعد مؤشر الاعتداءات على المسلمين منذ أحداث غزة بصورة تفوق ما كانت عليه عقب أي حادث عنف آخر في التاريخ، وفاق صعود معدل الجرائم فترة ما بعد أحداث 11 سبتمبر، جاء هذا الشحن النفسي للأوروبيين والأمريكان نتيجة موقف حكوماتهم واليمين السياسي والإعلام الغربي،م ن تصوير أحداث غزة باعتبارها إعلان الحرب من المسلمين على الغرب الذي يدعم إسرائيل.
لقد أجج الأجواءالمشحونة، تعظيم أدبيات الجهاد والمُتطرفين المعتمدين لدى الجماعات المُتطرفة، وعرضها والترويج لها على مدار الساعة، عبر إعلام جماعة الإخوان المسلمين، وربط عمل المقاومة ضد المحتل الإسرائيلي بوجوب الجهاد العالمي ضد الغرب الكافر، ما دعم التصور الغربي الذي يروج له ويوظفه اليمين المُتطرف، لقد سجلت الفترة منذ بدء حرب غزة إلى حينه مادة إعلامية تحتوي على أعلى معدلات عرض تقارير وأناشيد من أدبيات وتاريخ الجماعات المُتطرفة التي تحرض ضد الغرب، باعتبار الغرب يمثل الكفر الذي يحارب الإسلام، وخلط هذه المادة بعرض وتمجيد بطولات حركة حماس، والتأكيد بأن الحركة فرع من أفرع الإخوان المسلمين، واستغلال تلك الأحداث للترويج لأدبيات الجماعة في وجوب أستاذية العالم، مما دعم فكرة أن ما قامت به حماس يوم عملية "طوفان الأقصى" عمل إرهابي في أذهان الغرب.
نتيجة لما تقدم؛ أخد مؤشر معدل الجرائم ضد المسلمين في أمريكا وأوروبا في الصعود الحاد، بحيث تضاعفت أرقام الحوادث عقب 7 أكتوبر 2023، فسجلت أمريكا ثلاثة أضعاف معدل الحوادث عمّا قبل التاريخ المذكور، وسجلت بريطانيا 7 أضعاف عقب التاريخ المذكور، فيما سجلت رسائل التهديد للمساجد وللأشخاص عبر الإنترنت معدلات غير مسبوقة، مما يعزز التحليل بوجود ارتباط شرطي بين أحداث جماعات الإسلام السياسي، أيًا كان الدافع وارتفاع معدلات الظاهرة "الإسلاموفوبيا"، تقاطع هذا مع صعود اليمين المُتطرف في انتخابات دول أوروبية عدة وزيادة وهيمنة خطابه العدائي ضد المسلمين.

موضوعات متعلقة