اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارون رئيس التحرير محمود نفادي

دراسة حصرية لموقع «اتحاد العالم الإسلامي» ظاهرة «الإسلاموفوبيا» في أوروبا وأمريكا.. المحفزات وحدود الاستمرار (الجزء الأول)

الكاتب الصحفي محمود نفادي رئيس التحرير
الكاتب الصحفي محمود نفادي رئيس التحرير

إعداد: أسماء دياب، رئيس برنامج دراسات التطرف والإرهاب بمركز "رع للدراسات".

الجزء الأول.. أسباب تزايد جرائم الكراهية والمعتقدات ضد المسلمين


يُتابع المجتمع الدولي، بقلقٍ تزايد مساحة ظاهرة "الإسلاموفوبيا" في الغرب، وقصور آليات التعامل معها والقضاء عليها، بل إن هناك غيابًا واضحًا في القدرة على تشخيص هذه الظاهرة وتوصيفها، كذلك تحديد الإطار المفاهيمي الدقيق لها، وأسبابها وعوامل تصاعدها، أو انحسارها ومحفزات تضخيمها؛ فخلال عامي 2022 و2023 شهدت جرائم الكراهية والمعتقدات ضد المسلمين تزايدًا ملحوظًا، بالمقارنة بالفترة السابقة، فوفقًا للأرقام التي حصل عليها الباحث وحللها، فإن هناك أكثر من 15% من المسلمين في أوروبا يتعرضون لجرائم ترتبط بالمعتقدات وكراهيتهم من قِبل الأوروبيين الأصليين، الذين يتصدرهم سكان فرنسا والنمسا والدنمارك، وأيضًا هناك زيادة ملحوظة في نسبة الجرائم ضد المسلمين؛ بسبب الكراهية والمعتقدات في بريطانيا والنمسا، حيث تُشير بعض التقديرات الدولية إلى أن الجرائم ضد المسلمين المرتبطة بالمعتقدات، والناتجة عن كراهية دينية ازدادت بنسبة تزيد على 47% خلال عام 2023 بالمقارنة بالجرائم الأخرى. وعليه، يُمكن القول إن ما رصدته الدراسة يُؤشر إلى احتمالات حدوث زيادة مستمرة في الممارسات التمييزية وغير الدستورية، ضد المسلمين في دول أوروبا وأمريكا، بل من المُرجح -وفقًا لقراءة الباحث- تغير مستوى الانتهاكات التي تمس حرية ممارسة الشعائر الدينية للمسلمين خلال العامين المقبلين في هذه الدول؛ نتيجة تصاعد اليمين المُتطرف، واحتمالات تنشيط الجماعات المُتطرفة لعملياتها في هذه البلدان.

تحديد الإطار المفاهيمي لظاهرة "الإسلاموفوبيا"


بناءً على ما سبق؛ تسعى الدراسة في جانبها النظري إلى تحديد الإطار المفاهيمي لظاهرة "الإسلاموفوبيا"، وتحديد مظاهر السلوكيات وتكييف الحوادث التي تعبر عن الظاهرة، ثم عرض الواقع العملي الذي يحدث في عينة من دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا؛ بغرض الوقوف على معدلات صعود وهبوط الظاهرة والعوامل المحفزة على ذلك، ثم توضيح الإطار التشريعي في الاتحاد الأوروبي وأمريكا، فيما يتعلق بالتعامل مع الظاهرة وتجريمها، وواقع تلك التشريعات التطبيقي في الغرب، ثم الإشارة إلى العلاقة بين مسببات الظاهرة، ومعدلات صعودها، أو انحسارها في الدول محل الدراسة، بالإضافة إلى وضع توصيات تَحِدُّ منها.

أولًا- مفهوم "الإسلاموفوبيا" وعلاقته باليمين المُتطرف


اشتبكت التعريفات التي تناولت مفهوم "الإسلاموفوبيا" أحيانًا، وتعددت كثيرًا، حتى أصبح كل منها يعبر عن توجه وأهداف ومصالح الجهة المُعرفة؛ لذا سنتناول بعض التعريفات الحديثة نسبيًا، كمحاولة لفهم ملامح الظاهرة وأسباب ومحفزات تناميها، هذا بالإضافة إلى ملامح الظاهرة في بعض البلدان الأوروبية؛ بهدف محاولة الربط بين المفهوم النظري وواقعه العملي، وذلك على النحو التالي:


(1)- تشابك المفاهيم وحدود الفصل بينها


تعني "الإسلاموفوبيا" اصطلاحًا: أن الإسلام دين للمسلمين، وفوبيا كلمة إغريقية، تعني الخوف والرعب، وتستخدم في مجالي الطب النفسي وطب الأمراض العقلية، إذن المصطلح يعني "حالة الخوف المبالغ فيه وغير المنطقي أمام ظاهرة ما تعتري شخصًا معينًا نتيجة خلل في شخصيته، تؤدي به إلى نوبات من الفزع الشديد، وقلق متواصل وتوجس ومحاولة لتفادي ما يؤدي إليها".
كما صدر تعريف لـ "الإسلاموفوبيا" في تقرير عن مجلس أوروبا عام ٢٠٠٥، وكان يعني "التخوف أو الأحكام المسبقة تجاه الإسلام والمسلمين وما يتعلق بهم، سواء تم التعبير عنه بالأشكال اليومية للعنصرية والتمييز أو أشكاله الأكثر عنفًا. (1)
كما عرف الكاتبان الفرنسيان "السكندر فال"، و"إيمانويل رازف" المصطلح في كتاب"المشروع"، بأنه"استراتيجية الفتح والتسلل للإخوان المسلمين في فرنسا وحول العالم"، وأحد الأسس التي شكلت عصب "الإسلاموفوبيا" في المجتمع الغربي، الذي يرجح أن التيارات الإسلامية كانت السبب فيه، وهو العزلة بوصفها إحدى المفردات التي كانت محور الشك الأوروبي، خصوصًا في فرنسا، وأحيائها المهمشة التي تصنف كأحد مصانع التطرف فيما بعد، بفعل عدد من المؤثرات. كما يُشيرالكاتبان في كتابهما؛ إلى أن الداعية المصري يوسف القرضاوي، هو المؤسس لفكرة عزلة المسلمين في أوروبا، حيث كان يدعو، وفقًا للكتاب، إلى"الفصل بين المسلمين الذين يعيشون في أوروبا والحضارة الأوروبية، وأن تكون للمسلمين مجتمعاتهم الصغيرة ضمن المجتمع الكبير، وإلا ذابوا فيه كالملح في الماء".


ويصرح القرضاوي، وفقًا للمؤلفين، متسائلًا: "ما الذي حافظ على الخصوصية اليهودية طيلة القرون الأخيرة في المجتمعات الأوروبية؟"مجيبًا -حسب الباحثين- أن "ما حافظ على الأفكار والعادات، هو العصبة الصغيرة التي تسمى "الجيتو اليهودي"، فلتسعوا إذن إلى إقامة "الجيتو الإسلامي" الخاص بكم في أوروبا".


وعليه يُمكن القول إن الباحثين الفرنسيين "السكندر فال" و"إيمانويل رازف" حاولا إثبات أن سياسة الانطواء والانعزال الإسلامي، تأتي في سياق أدبيات المشروع الكبير الذي كتبه تنظيم الإخوان المسلمين، ويعمل على تطبيقه في أمريكا وأوروبا منذ عقود، مع أن تنظيم الإخوان نفى وجود مثل هذا المشروع، فإن الشرطة السويسرية حصلت على وثائق تؤكد ما ذهب إليه الكاتبان من مشروع في فيلا الإخواني"يوسف ندا"، بعد ١١ سبتمبر. (2)


وعرفت الأمم المتحدة "الإسلاموفوبيا":"بأنها الخوف من المسلمين والتحيز ضدهم والتحامل عليهم، بما يؤدي إلى الاستفزاز والعداء والتعصب بالتهديد وبالمضايقة وبالإساءة وبالتحريض وبالترهيب للمسلمين ولغيرهم، سواءً في الواقع أو على الإنترنت. وتستهدف تلك الكراهية بدافع من العداء المؤسسي والأيديولوجي والسياسي والديني"، ويفضل بعض الخبراء تسمية "الكراهية ضد المسلمين"، خشية أن يؤدي مصطلح "الإسلاموفوبيا" إلى إدانة جميع الانتقادات الموجهة إلى الإسلام؛ مما يتسبب في خنق حرية التعبير، ذلك أن القانون الدولي لحقوق الإنسان يحمي الأفراد لا الأديان، وربما أثرت كراهية الإسلام كذلك على غير المسلمين، نظرًا لخلط ما، بناءً على تصورات عن الجنسية، أو المنشأ العرقي أو الإثني. (3)

صعود أحزاب اليمين المُتطرف في أوروبا سبب من أسباب اتساع نطاق الظاهرة:
وبالنظر إلى الخصائص المشتركة لأحزاب اليمين المُتطرف في أوروبا، يمكن القول إن ظاهرة "الإسلاموفوبيا"يتسع نطاقها في الفترة الأخيرة، نتيجة صعود هذه الأحزاب وتمتعها بشعبية داخل الغرب بوجهٍ عامٍ، وتأكيد برامجها ودعايتها السياسية على العداء للأجانب، ورفض المهاجرين والأقليات ورفض التعددية الثقافية، والدفاع عن هوية إثنو- وطنية، وعن تقاليد القومية التاريخية، والدعوة إلى الحد من الهجرة. (4) لذا، حظي مفهوم "أسلمة أوروبا" بنقاشٍ واسعٍ في الأوساط اليمينية في الغرب، وهو يعني أن المسلمين الذين يمثلون حضارة دونية يحصلون على مزيدٍ من التغلغل والنفوذ، بما يكفي لتشكيل تهديد حقيقي للهوية الأوروبية، في حين يقوم الفكر اليميني المُتطرف على فكرة "الاستعلائية" بين دعاته على أنهم أرفع وأفضل من نظرائهم المسلمين، وأن الهوية الأوروبية محل تهديد من قبل أولئك الأقل شأنًا. (5)

ومن قراءة التعريفات السابقة، يرى الباحث أن سمة خلطًا، ربما يكون متعمدًا من بعض الجهات بين المسلمين غير المسيسين وجماعات الإسلام السياسي، فعلى الرغم من أن التعريفات سابقة الذكر، تشير إلى أن الخوف والذعر المذكور من الإسلام والمسلمين، تسببت فيهما بشكل رئيسي جماعات الإسلام السياسي التي تغلغلت في أوروبا في الثمانين عامًا الأخيرة، وزادت أعدادهم بشكل كبير بعد أحداث الربيع العربي، فتم بناءً عليه تعميم حالة الخوف من الإسلام السياسي ومشروعه وعناصره إلى جميع المسلمين غير المسيسين، فتفاقمت بالتالي حالة "الإسلاموفوبيا" التي ساعد في تأزمها خطاب اليمين المُتطرف الذي يتقاسم مع الجماعات الإسلامية ذات النظرة الاستعلائية الإقصائية لخدمة أهداف حزبية.


وعليه، يرى الباحث أن ما سبق ذكره، يعزز من تعريف "الإسلاموفوبيا" في قاموس أكسفورد، الذي يعني"الخوف المرضي من الإسلام بخاصة كقوة سياسية"، بالتالي الخطر الحقيقي من تزايد الظاهرة وتأثيراتها يكمن في استمرار جماعات الإسلام السياسي في نشاطها والإعلان عن نفسها داخل أوروبا، برصد مواقع ومراكز دراسات تابعة لتلك الجماعات، نجد أنها تسهم بشكل رئيسي في تفاقم الظاهرة باستخدام مصطلحات، خاصة بأدبيات تلك الجماعات التي تعزز الانعزالية وكراهية الآخر ورفض التعايش مع الثقافات المختلفة. (6)

(2)- مظاهر"الإسلاموفوبيا".. حالات أوروبية:


أكد تقرير حديث صادر عن مرصد "الإسلاموفوبيا" التابع لمنظمة التعاون الإسلامي، أن قارة أوروبا استحوذت على المرتبة الأولى في حجم انتشار الظاهرة، تليها آسيا ثم أمريكا الشمالية. وأشار التقرير إلى أن فرنسا وبريطانيا تصدرتا النشاط الأبرز بـ"الإسلاموفوبيا"، وتتمثل أهم ملامح الظاهرة في حوادث وتمييز ومعاملة سيئة وقعت ضد المسلمين ودور العبادة الإسلامية في أوروبا وأمريكا، ويمكن رصد هذا في بعض الدول الأوروبية، كالتالي:


(*) دولة السويد:أكدت دراسة صادرة عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات في ديسمبر 2021 أن هناك بحثًا للمجلس الوطني السويدى لمنع الجريمة، تشير إلى أن تقارير الشرطة عن الجرائم التي تصنف بدافع "الإسلاموفوبيا" ما بين التهديدات والتحريض، والتشهير، والكتابة على الجدران لعبارات مسيئة للإسلام، والتحريض ضد الأقلية المسلمة على وسائل التواصل الاجتماعي، وجرائم بدرجات متفاوتة تستهدف المساجد.


(*) دولة ألمانيا: انعكس تقدم حزب "البديل من أجل ألمانيا" في انتخابات ٢٠٢٣ على ارتفاع معدل جرائم "الإسلاموفوبيا"، خاصة بعد أحداث غزة ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، كما انعكس تراجع أحزاب اليمين المُتطرف في ألمانيا على معدلات مؤشر "الإسلاموفوبيا" في البلاد من قبل، حيث انخفض عدد الهجمات على المساجد في الفترة من أبريل إلى يونيو ٢٠٢١ وتم تسجيل ٩٩ جريمة معادية للإسلام، وشملت الشتائم وتعطيل الشعائر الدينية وإلحاق الضرر بالممتلكات، وسجلت ثلاثة اعتداءات جسدية.


(*) دولة النمسا: يرى الباحث أن معدل العنصرية و"الإسلاموفوبيا" تزايد في النمسا بعد تولي اليمين المُتطرف للحكم، واتباعه سياسات معادية للمهاجريين واللاجئين، وتمثل هذا في إصدار قوانين يعتبرها الباحث معادية للإسلام والمسلمين، مثل حظر المآذن، وحظر ارتداء الحجاب في المدارس الابتدائية، وفرض القوانين التمييزية، إلا أن القضاء النمساوي ألغى قانون حظر ارتداء الحجاب في المدارس الابتدائية ٢٠٢٠.


(*) دولة هولندا: يتعرض الأطفال المسلمون للاعتداءات اللفظية أو الجسدية في هولندا، وينظر للمجتمع الهولندي على أنه يمتلك قلقًا تجاه الإسلام، بسبب أن مدينة لاهاي واحدة من المعاقل السلفية في هذه الدولة. (7).


(*) أما في دولتي فرنسا وبريطانيا، فيعد من أهم مظاهر"الإسلاموفوبيا"حرق القرآن وحوادث فردية لطعن بسلاح أبيض لمسلم، أو هجوم بإطلاق النار على مسلمين، مرتبط غالبًا بالرد على هجوم إرهابي من جماعات إسلامية حدث قبلها، من جانب آخر لا يمكن اعتبار الظاهرة سياسات مؤسسية حكومية ممنهجة، تأتي القرارات المؤسسية في الأغلب نتيجة ضغط من لوبي يميني.

وعليه، يرفض الباحث اعتبار البعض أن التضييق ومتابعة الجمعيات والمؤسسات التابعة لجماعات الإسلام السياسي في فرنسا وبريطانيا وفي أمريكا، يُعد شكلًا من أشكال الإسلاموفوبيا، وتلك الجهات إما مراكز ومواقع تابعة لتلك الجماعات الإسلامية، أو نشطاء أوروبيون ليبراليون يعتقدون أن جماعات الإسلام السياسي هم الممثل الحصري للمسلمين، بالتالي يدافعون عن حقهم في ممارسة شعائرهم أو آرائهم كما شاءوا بمعزل عن الاعتبارات الأمنية التي تشكل تلك الجماعات خطرًا عليها.


مما سبق، ووفقًا لقراءة ملامح الظاهرة في دولها، يمكن القول إن "الإسلاموفوبيا" في الغرب ليست متجذرة في طبيعة المجتمع الغربي قدر ما هي انعكاس لمجموعة من العوامل السياسية والأيديولوجية لجماعات وأحزاب، سواءً من اليمين الديني الإسلامي،أو اليمين المُتطرف الغربي، عليه تستهدف الدراسة التعرض لعوامل انتشار الجماعات الإسلامية وهجمات الإرهاب المفصلية ومناطق نشر الفكر المُتطرف في أمريكا وأوروبا، وتوازي هذه العوامل مع معدلات حالات "الإسلاموفوبيا" في نفس المناطق، واستغلال اليمين المُتطرف لتلك العوامل لخدمة أهدافه الحزبية. (8)

** المراجع تتوفر في نهاية الأجزاء الستة للدراسة التي سيتم نشرها تباعا.

موضوعات متعلقة