اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارون رئيس التحرير محمود نفادي

دراسة حصرية لموقع «اتحاد العالم الإسلامي».. ظاهرة الإسلاموفوبيا في أوروبا وأمريكا.. المحفزات وحدود الاستمرار (الجزء الثاني)

الإسلاموفوبيا تعبيرية
الإسلاموفوبيا تعبيرية

أعد الدراسة: أسماء دياب رئيس برنامج دراسات التطرف والإرهاب بمركز "رع للدراسات".

ثانيًا- خريطة "الإسلاموفوبيا"في العالم وعوامل تصاعدها:


تنتشر ظاهرة "الإسلاموفوبيا" بدرجة واضحة في دول أوروبا وأمريكا الشمالية، ويرجع تصاعد معدلات حوادث العنف ضد المسلمين في هذه المناطق من العالم، إلى عوامل محفزة، تتمثل في وجود علاقة طردية بين اتساع الظاهرة وانتشار جماعات الإسلام السياسي، وتصاعد أدوار أحزاب اليمين المُتطرف في هذه البلدان، ويمكن تفسير ذلك من خلال التطرق إلى معدلات العنف ضد المسلمين في أمريكا الشمالية وبعض الدول الأوروبية، كذلك خريطة انتشار جماعات الإسلام السياسي في أمريكا الشماليةوبعض الدول الأوروبية، هذا على النحو التالي:


(1)- معدلات حوادث العنف ضد المسلمين في أمريكا الشمالية وبعض الدول الأوروبية:


من خلال العودة إلى مظاهر ممارسة الظاهرة التي تم توضيحها سابقًا، يمكن وضع خريطة واضحة لانتشار "الإسلاموفوبيا" في دول أمريكا الشمالية وأوروبا، تتضمن حدود تطورها خلال الثلاثة أعوام الأخيرة، ومرتكزاتها الرئيسية، ونوعية الجرائم الناتجة عن ممارستها، وذلك كالتالي:


- الولايات المتحدة الأمريكية:ارتفع معدل حوادث "الإسلاموفوبيا" ومعاداة السامية، وفق بيانات الحكومة الأمريكية منذ السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، أي عقب اندلاع الصراع بين إسرائيل و"حركة حماس"، حتى ارتفع معدل الجرائم ضد المسلمين إلى ثلاثة أضعاف عمّا كان عليه عام ٢٠٢٢، حيث تلقى مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية ٧٧٤ شكوى بشأن حوادث مدفوعة بـ"الإسلاموفوبيا"، أظهرت البيانات أن الارتفاع سجل نسبة ٣٨٨ بالمائة، مقارنة بالعام السابق، وتعددت الاعتداءات بين تهديد ورسائل عنيفة وقتل طفل مسلم من أصل فلسطيني.(9)


وتجدر الإشارة إلى أن الفترة من ٢٠١٢ – ٢٠١٨ سجلت زيادة في معدل الحوادث ضد المسلمين، إذ سجلت الفترة المذكورة ٧٦٣ حادثًا معاديًا للمسلمين، وزاد عدد الجرائم ضد المسلمين من ٣١ جريمة ضدهم قبل عام ٢٠٠١ إلى ٥٤٦ في عام ٢٠٠١ ثم بلغ المتوسط بعد ذلك ١٥٩ جريمة سنويًا. (10)


بقراءة الأرقام السابقة؛ يتضح أن ارتفاع معدلات العنف ضد المسلمين يرتبط بشكل مباشر بوقوع أحداث سياسية أو دولية عنيفة، بفعل جماعات إسلامية مسلحة تعتنق الفكر الجهادي أو جماعات إسلام سياسي، حيث زادت معدلات الحوادث ضد المسلمين لثلاثةأضعاف، تزامنًا مع الحرب الدائرة بين "حماس وإسرائيل"، نتيجة لذلك؛ عكست بعض وسائل الإعلام والمؤسسات الأمريكية ما يحدث باعتباره صراعًا بين المسلمين واليهود، كما ارتفع معدل الجرائم ضد المسلمين نتيجة أحداث ١١ سبتمبر٢٠٠١ في أمريكا إلى ١٥ ضعفًا عمّا كان قبلها لنفس السبب، فقد صور الإعلام الأمريكي في ذلك الوقت أن هذا الحادث، بمثابة هجوم إسلامي على الحضارة الأمريكية، إذن تعميم جرائم جماعات الإسلام السياسي والجهادي، وتحميل مسؤوليتها لعموم المسلمين، سبب رئيسي في ارتفاع نسبة العداء ضد المسلمين، وزيادة الحوادث ضدهم في أمريكا.


- بريطانيا: سجلت بريطانيا ارتفاعًا في معدل حوادث العداء ضد المسلمين بمعدل ٧ أضعاف بعد ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ عمّا كان قبلها، وسجلت بين عامي ٢٠١٣ و٢٠١٥ حوالي ٧٣٤ جريمة كراهية، كما ارتفع معدل جرائم الكراهية ضد المسلمين في بريطانيا أربعة أضعاف، عقب هجمات باريس ٢٠١٥، وأكدت حملة "تل ماما"أن محاولات الحرق المتعمد والإساءة اللفظية والتخريب وترك رأس خنزير في موقع مسجد، كانت من بين أكثر من ٧٠٠ تقرير عن حوادث معادية للإسلام في بريطانيا في الشهر التالي لهجوم حماس. (11)


نفس الاستنتاج لقراءة المعدلات السابق ذكرها؛ يشير إلى ارتفاع وفق متوالية هندسية لمعدلات العنف ضد المسلمين كنتيجة لعمليات مسلحة لجماعات إسلامية، والتأثير ليس فقط في منطقة وقوع الحدث، بل تمتد تأثيراته العنيفة إلى الغرب بوجهٍ عامٍ.
- فرنسا: شهدت فرنسا عدد ٢٣٥ حالة اعتداء ضد المسلمين عام ٢٠٢٠ وفق المرصد الوطني ضد معاداة الإسلام بفرنسا، مقابل ١٥٤ حادثًا عام ٢٠١٩، وتلقى المجلس الإسلامي الفرنسي ٤٢ رسالة تهديد في الفترة من أكتوبر لنوفمبر ٢٠٢٣.


وتجدر الإشارة هنا إلى تعذر تنفيذ حصر كامل لأعداد حالات الاعتداء ضد المسلمين في فرنسا؛ بسبب أن المسلمين في هذه الدولة لا يقدمون شكاوى في الأغلب، ومع هذا فإن الاعتداءات لا تتعدى اللفظية أو التهديد أو التضييق، حيث شهد نوفمبر ٢٠٢٣ تدنيسًا لثلاثة مساجد في فرنسا بكتابات مثل "الموت للمغربيين" و"الإسلام معادٍ للسامية" و"المسلم الجيد هو المسلم الميت".
يشير الباحث إلى أنه يتضح من العبارات التي تكتب على المساجد أن الجرائم ضد المسلمين في فرنسا يُقدم عليها يمينيون مُتطرفون أو صهاينة مُتطرفون، رغم أن معدلات استهداف المسلمين ليست مرتفعة، إلا أن التعرض لهم والتمييز ضدهم مستمر بفعل استغلال اليمين المُتطرف لحوادث الإرهاب التي وقعت في باريس عام ٢٠١٥ لتأجيج مشاعر الكراهية تجاه المسلمين بوجهٍ عامٍ.


- ألمانيا: سجلت تقارير الداخلية الألمانية أن حالات جرائم "الإسلاموفوبيا" في ألمانيا عام ٢٠٢٢ بلغت ٦١٠ جرائم، وسجل عام ٢٠٢٣ خلال الشهور الثلاثةالأولى ١٢٤ اعتداءً ضد المسلمين، ووقعت ١٣٤ جريمة ضد المسلمين في الربع الثاني من ٢٠٢٣، وعليه يُلاحظ الباحث، أن الأعداد تضاعفت بالمقارنة بنفس الفترة من العام السابق.


وتجدر الإشارة إلى أن الاعتداءات في ألمانيا على المسلمين، تنوعت بين لفظية وجسدية ورسائل تهديد، تحمل توقيع التنظيم النيو نازي"nsu 2.0"، بالإضافة إلى حرائق استهدفت مساجد، حيث تعرض ٨١ مسجدًا في ألمانيا لاعتداءات منذ مطلع ٢٠٢٣ نصفها منذ ٧ أكتوبر مع بداية حرب غزة، وهذه النسبة تعد أكثر من ضعف العام السابق، الذي بلغ فيه الاعتداء على المساجد في ألمانيا ٣٥ حادثًا.


وفي المجمل، يُمكن القول إنه حسب الحكومة الألمانية، وقع٩٥٠ هجومًا ضد المسلمين عام ٢٠١٧، وهذه الحالات سُجل أنها من اليمين المُتطرف، ولا توجد أرقام سُجلت قبل هذا التاريخ، وسُجل عام ٢٠١٨ حوالي ٨٢٤ حادثًا، وعدد ٨٨٤ حادثًا عام ٢٠١٩، وعدد ٩٠١ حادث عام ٢٠٢٠. وفقًا لقراءة وتحليل الأرقام، يشير الباحث إلى أن معدل جرائم الكراهية ضد المسلمين في ألمانيا أعلى معدل ثابت نسبيًا ومرتفع منذ ٧ سنوات متواصلة؛ مما يعكس ارتفاع ظاهرة "الإسلاموفوبيا" في ألمانيا بشكل عملي نتيجة سيطرة الخطاب اليميني على الشارع الألماني.


- النمسا: سجل تقرير "الإسلاموفوبيا" في أوروبا عام ٢٠٢٢ أكثر من ١٠٠٠ حالة كراهية ضد المسلمين في النمسا، وسجل عام ٢٠٢١ حوالي ١٠٦١جريمة اعتداء ضد مسلمين في الدولة، فيما سجل عام ٢٠١٨ حوالي ٥٤٠ جريمة، وعام ٢٠١٧ وقعت ٣٠٩ جرائم ضد مسلمين في النمسا. وأرجع الباحث الجرائم ضد المسلمين في النمسا إلى استغلال اليمين المُتطرف إجراءات الحكومة لتشديد سياساتها المتعلقة باللاجئين، وروجت الأحزاب اليمينية خطابها المعادي للمهاجرين، خاصة المسلمين؛ مما انعكس على معدلات حالات العنف ضد المسلمين خلال السنوات الأخيرة.


- كندا: لاحظ الباحث ارتفاع معدل الجرائم ضد المسلمين إلى ثلاثة أضعاف عن عام ٢٠٢٢، أي منذ الحرب الإسرائيلية على غزة في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، حيث تم الإبلاغ عن ٧٨ جريمة كراهية في مدينة تورنتو الكندية، وتشير تقارير الشرطة الكندية إلى أن عام ٢٠٢١ شهد ١٤٤حادثة، مقارنة بعام ٢٠٢٠ الذي شهد ٨٤ حادثة، وهو أقل معدل من عام ٢٠١٩ الذي شهد ١٨٢ حادثة استهدفت المسلمين، وتم الإبلاغ عن ١٨١٧ جريمة كراهية في كندا عام ٢٠١٨، وعدد٣٣٦٠ جريمة كراهية ٢٠١٧. بقراءة الأرقام السابقة، يؤكد الباحث أن معدل جرائم العنف ضد المسلمين في كندا أخذ منحنى متراجعًا منذ عام ٢٠١٧حتى منتصف عام ٢٠٢٣ إلى أن ارتفعت الجرائم بمعدل غير مسبوق بعد أحداث ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، بما يشير إلى أن كندا ليست من الدول المتأثرة بخطاب اليمين المُتطرف، حيث يسيطر على الحكم في البلاد أحزاب ليبرالية، وتصنف كندا بعض الحركات اليمينية كجماعات مُتطرفة .


ويُؤكد الباحث أيضًا على تفرد الحالة الكندية، موضحًا أنه رغم تواجد بعض الجمعيات والمؤسسات والمراكز الإسلامية التابعة لجماعة الإخوان المسلمين في كندا، حيث سمحت ثقافة التعددية والتسامح في هذه الدولة للجماعة (تصنف كندا جماعة الإخوان المسلمين بالإرهابية منذ عام 2014) بالتوغل واستغلال المنح الحكومية لنشر أفكارها، إلا أن ضعف الجالية الإسلامية في كندا، ساعد في تفرد الجماعة على الساحة الكندية، وتقديم نفسها باعتبارها الممثل الحضري للإسلام داخل كندا، وهذا يعكس عدم عداء المجتمع الكندي للمسلمين، وحالات العنف ضد المسلمين حالات فردية، مرتبطة بحدث معين لا ترقى لتصنيفها كظاهرة.

وبناءً على ما تقدم من نسب وأرقام متاحة؛ ينتهي الباحث إلى أن معدلات حوادث "الإسلاموفوبيا" في الدول الغربية محل الدراسة من الناحية الزمنية، يرتفع بشكل طردي عقب حوادث الهجمات الإرهابية، أما من الناحية المكانية فحوادث "الإسلاموفوبيا" قد ترتبط بمكان الهجمات الإرهابية فقط كرد فعل، وقد تتعداها إلى زيادة معدلات حوادث "الإسلاموفوبيا" في مناطق من دول أخرى في الغرب، أما أجواء التمييز أو الكراهية للمسلمين فتتعدى دائمًا مناطق وقوع الهجمات الإرهابية، حتى إن لم ترتبط بوقوع جرائم "إسلاموفوبيا" عنيفة.

المراجع تتوفر في نهاية الأجزاء الستة للدراسة التي يتم نشرها تباعًا.

موضوعات متعلقة