كيف اصطاد الإعلام الأمريكي ترامب في فخ النووي الإيراني؟

في مشهد يكشف هشاشة توازن القوة بين السياسة والإعلام في الولايات المتحدة، وجد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسه في مواجهة إعلامية شرسة، ليس فقط مع خصومه التقليديين، بل مع رواية بديلة تقوّض إنجازه الأكبر: القضاء على البرنامج النووي الإيراني.
القصة بدأت عندما احتفل ترامب، إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بما وصفاه "نجاحاً استراتيجياً" تمثل في قصف ثلاث منشآت نووية إيرانية—فوردو، أصفهان، ونطنز—بواسطة 125 طائرة أمريكية، استخدمت قنابل خارقة للتحصينات. في تغريدة متحمسة، أعلن ترامب أن الخطر الإيراني انتهى عملياً، وأن المشروع النووي الإيراني "تُرك في الرماد".
لكن المشهد الهوليوودي الذي حاول ترامب تسويقه عبر منصته الخاصة لم يصمد طويلاً أمام تحقيقات الصحافة الأمريكية. شبكة CNN، المعروفة بعلاقاتها المتينة مع مصادر استخباراتية، نشرت تقريراً مسرباً لوكالة استخبارات وزارة الدفاع (DIA) يفنّد الرواية الرسمية. التقرير أشار إلى أن الأضرار التي لحقت بالمنشآت النووية الإيرانية كانت محدودة، وأن المنشأة الأكثر تحصيناً—فوردو—لم تصب سوى بطبقاتها العلوية، في حين بقيت الأجهزة الحيوية، كأجهزة الطرد المركزي، سليمة إلى حد كبير.
تآكل الرواية الرسمية
لم تتوقف الأزمة عند تقرير CNN، بل انضمت إليها صحف مرموقة مثل النيويورك تايمز والواشنطن بوست ووول ستريت جورنال، لتقدم تغطية معمقة سلطت الضوء على فشل التقييم الاستخباراتي الذي اعتمدت عليه العملية العسكرية. أبرز هذه التحليلات أوضح أن كل ما حققته الضربة الأمريكية هو تأخير برنامج إيران النووي لمدة ثلاثة أشهر فقط، وهي نفس الفترة التي كانت تحتاجها طهران أصلاً لبلوغ نسبة تخصيب 90% اللازمة لصناعة القنبلة النووية.
المعلومات الأكثر إثارة للقلق جاءت من تقارير تؤكد أن إيران نجحت في نقل المواد المخصبة إلى مواقع سرية قبل الضربة، وأن الطبقات الحامية للمفاعلات لم تتعرض لأي اختراق حقيقي. ما يُلمّح إليه التقرير، بوضوح، هو احتمال وقوع البنتاغون فريسة لمعلومات مضللة، ربما بفعل عميل مزدوج، وجه القصف إلى أهداف سطحية—مثل مواقف سيارات ومكاتب إدارية—فيما بقيت الطبقات المحصنة تحت الأرض بمنأى عن الخطر.
رد فعل ترامب
رد الفعل الرئاسي لم يكن عقلانياً. ترامب لجأ إلى الهجوم المعاكس، واصفاً المؤسسات الإعلامية بـ"حثالة الإعلام"، في محاولة لتقويض مصداقيتها. أما البيت الأبيض فاختار استراتيجية تحويل الأنظار، بالتركيز على تسريب التقرير السري بدلاً من نفي مضمونه، حيث وُصف المسرب بـ"موظف فاشل".
تسريب التقرير، في توقيت حساس قبل قمة الناتو المصغرة، أربك ترامب تماماً. وبحسب صحيفة جيروزاليم بوست، فقد أجرى ترامب مكالمة هاتفية غاضبة مع نتنياهو، تضمنت عبارات "سوقية"، بعد أن اكتشف أن إسرائيل أوقفت الضربات بعد الساعة الأولى، ما أفشل خطة الاختراق الكامل للمواقع النووية.
انتصار إيران الرمزي
المحصلة كانت لصالح إيران. الضربة التي كان من المفترض أن تكون "قاضية"، تحولت إلى فرصة ذهبية لطهران لتعزيز خطابها الداخلي والخارجي، بأنها صمدت أمام الضربة الأمريكية، وواصلت برنامجها دون توقف يُذكر. كما أن فشل الاغتيالات التي أعلنتها إسرائيل—مثل مزاعم قتل قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني—ثم ظهور الشخصيات المستهدفة في احتفالات طهران، كشف خللاً في المعلومات الاستخباراتية حتى داخل جهاز الموساد.