تسريب استخباراتي يهز واشنطن.. ترامب يقيد مشاركة المعلومات السرية بعد هجوم إيران النووي

تشهد الولايات المتحدة تصعيداً داخلياً غير مسبوق على خلفية نتائج العملية العسكرية الأخيرة التي استهدفت منشآت نووية إيرانية. فبينما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب أن الضربة "دمّرت بالكامل" البنية التحتية النووية الإيرانية، كشفت تسريبات استخباراتية عن نتائج مغايرة، ما أدى إلى تصاعد أزمة ثقة خطيرة بين الإدارة الأميركية ومجتمع الاستخبارات، إضافة إلى مواجهة محتملة مع الكونغرس حول صلاحية الاطلاع على المعلومات السرية.
خلفية الأزمة
في فجر الأحد، شنت الولايات المتحدة وإسرائيل ضربة مشتركة على ثلاث منشآت نووية إيرانية، على رأسها منشأة "فوردو" المحصنة تحت الأرض. وفي أعقابها، أعلن ترمب أن البرنامج النووي الإيراني "تم تدميره تماماً"، مستشهداً باستخدام قنابل خارقة للتحصينات وصواريخ توماهوك.
لكن خلال الساعات التالية، تسرب تقييم أولي صادر عن وكالة استخبارات الدفاع (DIA) يشير إلى أن الضربة لم تحقق الأهداف المعلنة، وأن الضرر الذي ألحقته بالمنشآت النووية الإيرانية كان محدوداً في الزمن والتأثير، وقد يؤخر البرنامج النووي الإيراني لبضعة أشهر فقط.
التسريب وانفجار الخلاف
نُشر التقييم عبر نظام CAPNET — المنصة الرسمية لمشاركة المعلومات المصنفة سرياً مع الكونغرس — مساء الإثنين، لتبدأ وسائل إعلام كبرى مثل CNN و"نيويورك تايمز" في تسريب أجزاء منه بحلول الثلاثاء. أثار ذلك غضباً شديداً في البيت الأبيض، خاصة أن التقرير شكك في رواية الرئيس.
في هذا السياق، قررت إدارة ترمب اتخاذ إجراءات غير مسبوقة لتقييد وصول الكونغرس إلى المعلومات الاستخباراتية، في خطوة اعتُبرت تصعيداً خطيراً ضد مؤسسة رقابية دستورية. كما فتح مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) تحقيقاً لتحديد مصدر التسريب.
تداعيات الخلاف
من بين أكثر التحركات إثارة للجدل، كانت نية البيت الأبيض استبعاد مديرة الاستخبارات الوطنية، تولسي جابارد، من جلسة الإحاطة السرية المقررة في مجلس الشيوخ. ويأتي ذلك بعد خلاف شخصي وسياسي بينها وبين ترمب، خاصة عقب إدلاء جابارد بشهادة تؤكد أن وكالات الاستخبارات لا ترى أن إيران بصدد إنتاج سلاح نووي، وهو ما اعتبره البيت الأبيض معارضاً للرواية الرسمية لتبرير الضربة.
استبدال جابارد بمدير CIA، جون راتكليف، في الإحاطة، يُنظر إليه كعلامة على تهميش جهاز الاستخبارات لصالح الولاء السياسي، وهو ما أثار استياءً واسعاً داخل الكونغرس، خاصة بين الديمقراطيين.
صراع الروايات الاستخباراتية
التقرير المسرّب وصف نفسه صراحة بأنه "تقييم أولي بمستوى ثقة منخفض"، استند إلى صور أقمار صناعية دون تحقق ميداني، وكان الغرض منه مساعدة صناع القرار في تحديد ما إذا كانت هناك حاجة لهجمات إضافية.
بالمقابل، أشارت تقارير استخباراتية إسرائيلية إلى "أضرار بالغة جداً" لحقت بالمنشآت المستهدفة. هذا التضارب بين التقييمين أثار مزيداً من الشكوك حول شفافية البيت الأبيض، ودق إسفيناً جديداً بين ترمب ومجتمع الاستخبارات الأميركي.
أزمة ثقة متجذرة
الأزمة الراهنة تعيد إلى الأذهان توتر العلاقات بين ترمب وأجهزة الاستخبارات منذ حملته الانتخابية في 2016، والتي اتسمت باتهامات بتسريب معلومات وتقويض سلطته. ويبدو أن الرئيس الأميركي يرى في بعض عناصر الاستخبارات "دولة عميقة" تعمل ضده.
وفي تصريحات على هامش قمة الناتو في لاهاي، لم يُخفِ ترمب غضبه من التسريبات، مؤكداً عزمه "إعلان الحرب على المسربين". كما أبدى وزراؤه، ومنهم ماركو روبيو وبيت هيجسيث، تأييدهم لهذه المقاربة، متهمين وسائل الإعلام بـ"تضخيم" التقييمات السلبية.
رغم استخدام الولايات المتحدة لأضخم ترسانتها التقليدية، بما فيها القنابل الخارقة للتحصينات، لا تزال النتائج غير حاسمة، بحسب تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية. المدير العام للوكالة، رافائيل غروسي، أكد أن منشأة "فوردو" قد تكون تضررت بشدة، لكنه شدد على غياب التقييم الميداني حتى الآن.