ترامب ضد ماسك.. صراع القوى بين السياسة والمال يهدد تماسك الجمهوريين

يشهد الحزب الجمهوري الأميركي حالة غير مسبوقة من الانقسام الداخلي، على خلفية صراع علني متصاعد بين الرئيس دونالد ترمب ورجل الأعمال إيلون ماسك، حول مشروع قانون ضخم للضرائب والإنفاق يُروَّج له ضمن أجندة ترمب الاقتصادية. وقد كشف هذا الخلاف عن توترات كامنة في صفوف الجمهوريين، وأثار تساؤلات حول ولاء القيادات، ومستقبل الأغلبية الهشة في الكونغرس، ومدى تأثير المال والتكنولوجيا على التوازنات السياسية التقليدية.
جوهر الخلاف – قانون "الضرائب الكبير الجميل"
يرتكز الخلاف على ما يُعرف إعلامياً بمشروع القانون "الكبير الجميل"، وهو حزمة ضريبية وإنفاقية ضخمة يسعى ترمب لتمريرها كجزء من أجندته الاقتصادية للعودة إلى البيت الأبيض. لكن ماسك، الذي كان سابقاً من أبرز داعمي ترمب، وجّه انتقادات شديدة لهذا المشروع، معتبراً أنه يعمّق الدين الفيدرالي ويُثقل كاهل دافعي الضرائب.
انسحاب ماسك من دعم المشروع جاء في لحظة حرجة، إذ يواجه الجمهوريون تحدياً كبيراً في الحفاظ على أغلبيتهم الهشة في مجلس النواب (بفارق 3 مقاعد فقط)، ومعارضة شخصية بمكانة ماسك تهدد بتقويض تماسك الكتلة الجمهورية، خاصة في مجلس الشيوخ، حيث يُعد تمرير أي قانون دون إجماع داخلي شبه مستحيل.
الاشتباك الشخصي – من نقد السياسة إلى الطعن في السيرة
تحوّل الخلاف السياسي بسرعة إلى هجوم شخصي حاد، إذ لم يكتف ماسك برفض دعم القانون، بل أعاد نشر تصريحات قديمة تنتقد ترمب وتربطه بشخصيات مثيرة للجدل مثل جيفري إبستين. ورداً على ذلك، شنّ أنصار ترمب، وعلى رأسهم مستشاره السابق ستيف بانون، هجوماً لاذعاً ضد ماسك، مطالبين بفتح تحقيقات حول ملفاته الأمنية، وهجرته، وعلاقاته بالصين، بل ودعوا إلى سحب العقود الحكومية من شركاته.
هذا التصعيد أخرج النزاع من إطاره التشريعي، ليصبح معركة نفوذ بين "الرئيس القائد" و"الملياردير المتمرّد"، في مشهد يُشبّه سياسياً بـ"طلاق سياسي شرس"، على حد وصف شبكة NBC News.
موقف الجمهوريين – بين ولاء القيادة والخوف من فقدان المقاعد
أظهر عدد من المشرعين الجمهوريين حرجهم من الانحياز الواضح لأي من الطرفين. بعضهم، مثل النائب دون بيكون، أعلن صراحة رغبته في الابتعاد عن النزاع، بينما اتخذ آخرون موقفاً موالياً لترمب، مثل تيم بورشيت، الذي وصف ترمب بـ"القائد الأعلى"، واعتبر أن تمرير مشروع القانون ضروري لتفادي زيادة الضرائب.
لكن هذا الانقسام يعكس قلقاً أعمق في صفوف الجمهوريين: فهم يعلمون أن الدخول في صراع مع أي من الطرفين قد يكلفهم مستقبلهم السياسي. فترمب لا يزال يمتلك قاعدة شعبية صلبة، بينما ماسك يُعد مؤثراً جماهيرياً ضخماً يمتلك أدوات إعلامية واقتصادية قد تعيد رسم المشهد الانتخابي.
رد الديمقراطيين – شماتة سياسية واستثمار استراتيجي
في المقابل، فضّل الديمقراطيون مراقبة الصراع من بعيد، مستخدمين الموقف لصالحهم. إذ اعتبر بعضهم، مثل سايمون روزنبرج، أن تصدي ماسك لمشروع ترمب يُعد خدمة غير متوقعة في توقيت حساس. كما ركز نواب ديمقراطيون على محتوى القانون نفسه، متهمين الجمهوريين بمحاولة تمرير قانون "يُفقر الأميركيين"، عبر تقليص برامج الرعاية الصحية والمساعدات الغذائية.
السيناتور آندي كيم والنائب فيسينتي جونزاليس وجّها تركيزهما نحو ما اعتبراه "الخطر الحقيقي" وهو تأثير القانون على نحو 16 مليون أميركي قد يفقدون تغطيتهم الصحية، مؤكدين أن ما يحدث ليس مجرد صراع بين نخب، بل معركة تمس جوهر العدالة الاجتماعية.
نقاشات خفض الإنفاق – بين محاربة الهدر وتهديد الفئات الضعيفة
في محاولة لخفض التكلفة المتوقعة للقانون، التي قد تُضيف 2.4 تريليون دولار للدين الوطني خلال عقد، يقترح الجمهوريون تقليص الإنفاق على برامج مثل Medicaid وMedicare، بحجة مكافحة "الهدر والاحتيال".
غير أن هذه الخطوة تُعد سيفاً ذا حدين: فهي قد تروق للناخبين المحافظين من حيث ضبط الميزانية، لكنها تهدد بإثارة موجات رفض شعبي عارم، خصوصاً من الفئات المتوسطة والمسنين الذين يعتمدون على هذه البرامج.
السيناتور الجمهوري كيفن كرامر دافع عن هذا الاتجاه قائلاً: "لماذا لا نستهدف الهدر في ميديكير؟ البعض يخشى هذه المواضيع، أنا لا أخشى ذلك"، بينما شدد الرئيس ترمب، حسب البيت الأبيض، على رفضه المساس بمستحقات المواطنين، حاصراً الإصلاح في "مكافحة الفساد والسرقة من المال العام".
أزمة متعددة الأبعاد
ما يحدث حالياً ليس مجرد خلاف بين شخصيتين نافذتين، بل أزمة متعددة الأبعاد تكشف هشاشة التحالفات داخل الحزب الجمهوري، وارتباك التوازن بين المال والسياسة، والشعبوية والعقلانية الاقتصادية.
الصراع بين ترمب وماسك أعاد تعريف مفهوم "الزعامة" في الحزب الجمهوري، فبينما يطالب ترمب بالولاء الكامل، يفرض ماسك منطقه الخاص كـ"فاعل سياسي مستقل"، لا تهمه الأحزاب، بل الأجندات.
ويبقى السؤال مفتوحاً: هل سيتمكن الجمهوريون من إعادة لملمة صفوفهم، أم أنّ هذه الأزمة ستكون مقدمة لتصدعات أكبر تهدد وحدتهم في موسم انتخابي بالغ الحساسية؟