إسطنبول على مفترق الدم والدبلوماسية.. شروط بوتين شكوك زيلينسكي وصمت ترمب المربك

في مشهد يعكس تعقيد المشهد الجيوسياسي للحرب الروسية الأوكرانية، تتجه الأنظار مجددًا إلى مدينة إسطنبول، حيث يُفترض أن تُعقد جولة ثانية من المحادثات بين موسكو وكييف، لكن دون جدول أعمال واضح، ما يجعل هذه الجولة محفوفة بالغموض وعدم اليقين.
زيلينسكي يشكك في جدية موسكو
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي جدّد دعوته لروسيا لتقديم جدول أعمال رسمي قبل الاجتماع المزمع عقده، معبّراً عن شكوكه بشأن نوايا موسكو. وأكد في خطاب تلفزيوني أن لا أحد، بما في ذلك تركيا والولايات المتحدة، لديه علم بما ستحمله روسيا إلى الطاولة، واصفاً الوضع بأنه "غير جاد". ويعكس هذا الموقف خشية كييف من أن تكون المحادثات مجرد مناورة سياسية لتكريس الأمر الواقع على الأرض.
في المقابل، تعمل تركيا بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان على جمع الأطراف في محاولة لتحقيق انفراجة دبلوماسية. تصريحات أردوغان المتكررة حول أهمية مشاركة وفود "قوية" من الطرفين، تشير إلى إدراك أنقرة لمدى هشاشة المحادثات، خاصة في ظل اشتراط موسكو عدم إعلان تفاصيل مقترحاتها إلا خلال الجلسة، مما يُفقد أي مسار تفاوضي عنصر الثقة المسبق.
مطالب روسية مشددة
بحسب وكالة "أسوشيتد برس"، فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتمسك بمطالب وصفَتها بـ"القاسية" وغير القابلة للتفاوض، ومنها انسحاب أوكرانيا من المناطق الأربع (دونيتسك، لوجانسك، زابوريجيا، وخيرسون) التي أعلنت روسيا ضمها عام 2022، إلى جانب مطالبته بتعهدات غربية مكتوبة بوقف توسع حلف شمال الأطلسي شرقاً، وتقليص حجم الجيش الأوكراني. هذه الشروط تعتبرها كييف والعواصم الغربية ضربًا من الاستسلام، وليست أساسًا عادلاً لمفاوضات سلام.
ترمب في الخلفية
العنصر المفاجئ في المشهد يتمثل في تداخل الملف الانتخابي الأميركي مع مسار الحرب. الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي سعى الكرملين إلى استرضائه بإظهار الانفتاح على المحادثات، بدأ يفقد صبره، واصفًا بوتين بأنه "يلعب بالنار" وأنه "أصبح مجنوناً". ورغم ذلك، لا تزال واشنطن تفتقر إلى حسم استراتيجي حقيقي في دعم المسار التفاوضي أو في ردع موسكو، وسط مراهنة روسية على فتور الالتزام الأميركي مع اقتراب الانتخابات.
ميدانيًا، يشهد خط الجبهة الذي يمتد لأكثر من 1000 كيلومتر تصعيدًا روسيًا متزايدًا، خاصة في دونيتسك وسومي وخاركوف. وتحقق القوات الروسية تقدماً بوتيرة هي الأسرع منذ خريف 2023، وسط استنزاف حاد في القدرات الأوكرانية. وبحسب مراقبين، فإن بوتين يسعى لاستغلال الزخم العسكري الصيفي لفرض وقائع ميدانية تعزز من موقفه التفاوضي.
استراتيجية بوتين النفسية
تحليل المراقب الروسي فيدور لوكيانوف يُشير إلى أن بوتين يعتمد على فرضية أن الصراع لم يعد أولوية كبرى لواشنطن، وبالتالي، فإن التصلب الروسي قد يقابل لاحقًا بتنازلات غربية، خصوصاً إذا ترافق مع تقدم عسكري نوعي. ويعكس هذا التحليل قناعة الكرملين بإمكانية كسب الحرب عبر "استنزاف الإرادة" لا فقط عبر السلاح.
الفشل في جولة مايو
الجولة السابقة من المحادثات التي عُقدت في 16 مايو بإسطنبول انتهت دون أي اتفاق لوقف إطلاق النار، ما يؤكد أن الفجوة بين الطرفين ما زالت واسعة. ورغم الضغوط الأميركية، لا تزال موسكو تتمسك بـ"الظروف المناسبة" لوقف القتال، ما يضع المحادثات المقبلة في دائرة الشك.
المشهد الراهن يكشف عن أزمة متعددة المستويات: غموض تفاوضي، شروط روسية أقرب للإملاءات، شكوك أوكرانية عميقة، وتردد أميركي متأرجح بين إدارة بايدن وصدى تصريحات ترمب. ومع تصاعد الهجوم الروسي، يبدو أن الكرملين يتعامل مع السلام كتكتيك ملحق بالنصر العسكري، لا كخيار سياسي مستقل. إسطنبول، في هذا السياق، لم تعد منصة حوار فحسب، بل باتت مرآة لصراع الإرادات بين اللاعبين الكبار.