اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

بين الثروات والسلام.. الكونغو الديمقراطية تراهن على اتفاق أميركي لفك عقدة الصراع مع رواندا

مناجم
مناجم

تشير المستجدات السياسية والاقتصادية في جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى تحولات استراتيجية حاسمة، مع انفتاح جديد تجاه الولايات المتحدة قد يفضي إلى اتفاقات مزدوجة تتناول الاستثمار في المعادن الحيوية من جهة، واحتواء التمرد شرق البلاد من جهة أخرى. ورغم تفاؤل بعض المسؤولين الكونغوليين بإمكانية التوصل إلى تفاهمات بحلول نهاية يونيو المقبل، إلا أن هذه الآمال تصطدم بحقول ألغام سياسية وأمنية واقتصادية، لا تزال تعيق تبلور تسوية حقيقية.


في قلب هذا المشهد المعقد، يظهر عنصران مترابطان: التحكم في الثروات المعدنية الضخمة للكونغو، وعلى رأسها الليثيوم والكوبالت والكولتان، ومسألة الأمن الإقليمي المتفجر شرق البلاد نتيجة تمرد حركة "23 مارس" المدعومة - حسب الاتهامات المتكررة من كينشاسا - من الحكومة الرواندية. وهكذا، يصبح الحديث عن السلام أو الاستثمار، مرتهناً بمشهد متشابك تتداخل فيه الجغرافيا مع الجيوبوليتيك، والاقتصاد مع النزاع المسلح.

واشنطن بين إعادة التموضع ومنافسة الصين


تتوق الولايات المتحدة إلى كسر احتكار الصين لقطاع التعدين الأفريقي، لا سيما بعد اتفاق "المناجم مقابل البنية التحتية" الذي أبرمته بكين مع كينشاسا في 2008. واليوم، تسعى إدارة الرئيس الأميركي إلى تجديد الحضور الأميركي عبر نافذتين: اتفاقيات استثمار ضخمة في البنية التحتية المرتبطة بالمعادن، واتفاق سياسي-أمني قد يهيئ الأرضية لإنهاء نزيف الحرب في الشرق الكونغولي. هذه الرؤية الاستراتيجية تمثل محاولة لاستعادة التوازن في قارة تتحول تدريجياً إلى ساحة تنافس حاد بين القوى الكبرى.


ويبرز هنا دور مسعد بولس، كبير مستشاري الرئيس السابق دونالد ترمب لشؤون إفريقيا، الذي يقود وساطة مكثفة بين كينشاسا وكيغالي. بولس، الذي يحمل صفة دبلوماسية واقتصادية في آن، دفع باتجاه مسودة أولية لاتفاق سلام، مصحوبة باتفاقات معنية باستغلال الموارد بين الولايات المتحدة وكل من الكونغو ورواندا، في صيغة تبدو وكأنها صفقة كبرى تهدف إلى تحويل الأزمة إلى فرصة استثمارية.

كينشاسا.. المعادن مقابل السيادة


ترى الحكومة الكونغولية أن المعادلة ليست بهذه البساطة. فمن وجهة نظرها، لا يمكن تطبيع التجارة في المعادن – حتى لو جاءت عبر غطاء اتفاقات دولية – ما دامت حركة "23 مارس" تحتل أراضي في الشرق، وتواصل ارتكاب انتهاكات، وتحظى بدعم عسكري من رواندا. ما يُطرح على الطاولة، إذن، ليس مجرد تعاون اقتصادي، بل تسوية سياسية عميقة يجب أن تضع حداً للاختراق الأمني والاقتصادي الذي تتعرض له الدولة الكونغولية منذ عقود.


وتتهم كينشاسا رواندا باستخدام فزاعة الأمن الحدودي كذريعة لنهب مواردها المعدنية وتهريبها عبر الحدود، في سوق مظلمة تدر عشرات الملايين شهرياً. هذه الاتهامات، المدعومة بتقارير من الأمم المتحدة وحكومات غربية، تضع رواندا في موضع حرج، وتجعل أي مفاوضات معها عرضة للتوتر والانهيار إذا لم تسبقها إجراءات ميدانية حقيقية على الأرض.

كيغالي.. بين الدفاع المشروع والطموح الاقتصادي


من جهتها، تصر رواندا على أن وجودها العسكري الحدودي هو دفاع مشروع ضد تهديدات "قوى معادية" تنشط داخل الأراضي الكونغولية. المتحدثة باسم الحكومة، يولاندي ماكولو، أكدت أن الحل يجب أن يكون جذرياً ومستداماً، وأن رواندا متفائلة بالمسار الذي تقوده واشنطن. لكن الموقف الرواندي لا يخلو من طموحات اقتصادية واضحة، إذ تعتبر كيغالي هذه المفاوضات فرصة لإضفاء شرعية على دخولها الرسمي في سوق المعادن الكونغولي، وربما تحويلها إلى منصة إقليمية لتكرير وتصدير المعادن إلى السوق العالمية.

اتفاق محتمل.. أم فخ استراتيجي؟


تجمع القراءة التحليلية لمسار المحادثات، على أن إبرام اتفاق ثلاثي بين الكونغو ورواندا والولايات المتحدة سيكون إنجازاً سياسياً واقتصادياً نادراً في المنطقة، لكنه يظل رهينة لتنازلات متبادلة شديدة الحساسية. فبينما تريد واشنطن ضمان استقرار إمداداتها المستقبلية من المعادن الاستراتيجية، تصر كينشاسا على انسحاب المتمردين والقوات الرواندية قبل أي تطبيع، وتطمح كيغالي إلى شرعنة وصولها للموارد وإقناع الغرب بأنها ليست الخصم بل الشريك.
لكن من دون معالجة الأسباب الجذرية للنزاع، خاصة تلك المرتبطة بالهوية والحدود والمصالح العابرة للسيادة الوطنية، قد يكون هذا الاتفاق مجرد وقف مؤقت لإطلاق النار في صراع أطول مدى.
ما يجري في شرق الكونغو ليس مجرد مفاوضات حول استثمارات أو معادن، بل معركة حول السيادة والثقة والمستقبل. الولايات المتحدة تحاول أن تجمع بين الدبلوماسية الاقتصادية والأمنية، ورواندا تسعى إلى إعادة تشكيل صورتها الإقليمية، فيما تصارع الكونغو لاستعادة أراضيها ومكانتها في معادلة الثروات والصراعات.

موضوعات متعلقة