جنوب السودان على صفيح ساخن.. تصاعد الصراع وتآكل آمال السلام

في ظل اشتداد وتيرة القتال في جنوب السودان، أطلق فولكر تورك، المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، تحذيرًا شديد اللهجة، داعيًا الأطراف المتنازعة إلى التراجع عن شفا الانهيار الكامل. وحذّر تورك من أن الأزمة المتصاعدة تهدد بتدهور إضافي في حالة حقوق الإنسان، في بلد يعاني أصلاً من أزمات إنسانية متجذّرة وانقسامات سياسية عميقة.
التحذير الأممي يأتي في توقيت حرج، إذ يشهد جنوب السودان موجة جديدة من التصعيد العسكري بين القوات الحكومية والمجموعات المسلحة، ما يهدد بنسف ما تبقى من العملية السلمية التي بدأت باتفاق 2018. ورغم محاولات التهدئة السابقة، فإن الواقع الميداني يشير إلى فشل مستمر في تنفيذ الاتفاقات الأمنية وتقاسم السلطة، وسط مناخ يسوده انعدام الثقة وسوء الإدارة.
وتُعد هذه الموجة من العنف الأخطر منذ توقيع اتفاق السلام، خاصة أنها تُصاحب بتقارير مقلقة عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، من بينها استهداف المدنيين، وتجنيد الأطفال، وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية. وهو ما دفع تورك إلى التحذير من "تقويض العملية السلمية الهشة"، في بلد لا يزال يرزح تحت وطأة الفقر، والنزوح الداخلي، وانهيار البنية التحتية.
من جهة أخرى، تكشف هذه التطورات عن هشاشة المؤسسات الرسمية وفشل النخبة الحاكمة في تهيئة بيئة آمنة ومستقرة تضمن الانتقال السلمي للسلطة. كما تعكس استمرار اعتماد الفصائل على القوة العسكرية كوسيلة لفرض النفوذ السياسي، بدلاً من الحوار الوطني الجامع.
في المحصلة، يُمثل تحذير مفوض الأمم المتحدة إشارة إلى المجتمع الدولي بضرورة التحرك العاجل، ليس فقط لاحتواء التصعيد، بل لتفعيل أدوات الضغط السياسي والدبلوماسي، ووضع حقوق الإنسان في صلب أي تسوية مستقبلية. فجنوب السودان، الدولة الأحدث في العالم، تقف اليوم أمام مفترق طرق حاسم: إما الانزلاق مجددًا إلى دوامة الحرب، أو العودة إلى طاولة الحوار قبل فوات الأوان.
المقابر الجماعية في الصالحة
أعلنت القوات المسلحة السودانية، يوم الخميس، عن اكتشاف مقابر جماعية تضم جثامين مئات المدنيين في منطقة الصالحة، الواقعة جنوب مدينة أم درمان، غربي العاصمة الخرطوم. هذا الإعلان يكشف عن حجم الجرائم المرتكبة خلال النزاع المستمر بين الجيش السوداني و ميليشيا الدعم السريع، و يضع المجتمع الدولي أمام مسؤوليات أخلاقية و قانونية متجددة.
ضحايا قوات الدعم السريع
البيان الصادر عن الجيش السوداني أشار إلى أن الضحايا الذين تم العثور عليهم في المقابر الجماعية كانوا محتجزين لدى قوات الدعم السريع، و هي ميليشيا شبه عسكرية ترتبط بقيادة محمد حمدان دقلو، المعروف بـ"حميدتي"، و تتهمها جهات حقوقية دولية بارتكاب انتهاكات ممنهجة منذ اندلاع الصراع في أبريل 2023.
قوات الدعم السريع تستخدم المدنيين كدروع بشرية
الجيش أوضح أنه تمكن من تحرير 648 مدنيًا كانوا محتجزين في إحدى المدارس التي حولتها الميليشيا إلى موقع اعتقال، يفتقر لأبسط مقومات الإنسانية. و وفقًا للبيان، استخدمت قوات الدعم السريع المعتقلين كدروع بشرية، و أخضعتهم لظروف مأساوية، تميزت بانعدام الغذاء والرعاية الصحية، ما أدى إلى وفاة 465 شخصًا منهم نتيجة الإهمال الحاد. و تم دفن هؤلاء في مقابر جماعية ضمت بعضها أكثر من 27 جثة.
ويؤكد الجيش أن غالبية الضحايا تم اختطافهم من منازلهم دون سند قانوني، ما يشير إلى نهج ممنهج في الاعتقال التعسفي و الإخفاء القسري، و هي جرائم ترقى إلى مستوى الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي.
تطهير ولاية الخرطوم
هذا الكشف جاء بعد إعلان الجيش السوداني، قبل يومين فقط، عن "اكتمال تطهير ولاية الخرطوم من عناصر الدعم السريع"، في تطور ميداني يُرجح أنه سمح بكشف هذه الجرائم التي ظلت طي الكتمان لشهور. و هو ما يثير تساؤلات عن حجم الجرائم التي لم يُكشف عنها بعد في المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة الميليشيات.