هدنة البحر الأحمر.. الحوثيون يوقفون استهداف السفن الأمريكية.. لكن إسرائيل خارج الحسابات

في خطوة وُصفت بأنها مؤشّر أولي على احتواء التصعيد في البحر الأحمر، أعلن كبير مفاوضي جماعة الحوثي، محمد عبد السلام، التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الحركة والولايات المتحدة بوساطة عُمانية، مؤكدًا في الوقت ذاته أن الاتفاق لا يشمل العمليات ضد إسرائيل.
وأوضح عبد السلام، أن الاتفاق «لا يتضمن إسرائيل بأي شكل من الأشكال»، مشيرًا إلى أن الجماعة ستتوقف عن استهداف السفن الأمريكية «ما دام الأمريكيون توقفوا فعلياً عن ضرب اليمن». وأضاف أن الجماعة تعتبر موقفها دفاعياً، وأن الرد الحوثي سيتوقف في حال التزام واشنطن بالتهدئة.
تصعيد متبادل وهجمات مميتة
ويأتي هذا التطور في سياق تصعيد غير مسبوق منذ نهاية عام 2023، حين بدأت جماعة الحوثي، المدعومة من إيران، تنفيذ سلسلة هجمات على سفن تجارية وعسكرية في البحر الأحمر وباب المندب، بحجة دعم الفلسطينيين في غزة ورداً على العدوان الإسرائيلي. وأسفرت هذه الهجمات عن اضطراب حركة التجارة العالمية، ودفع شركات الشحن إلى تغيير مساراتها، ما أفضى إلى ارتفاع التكاليف وإبطاء سلاسل التوريد.
ردّت واشنطن بشن ضربات جوية وصاروخية استهدفت مواقع حوثية في صنعاء وصعدة والحديدة، وقالت وزارة الدفاع الأمريكية إن الضربات تهدف إلى "شلّ قدرة الحوثيين على تهديد الملاحة الدولية". وأعلنت الجماعة سقوط عشرات القتلى والجرحى من عناصرها، ما دفع الموقف نحو مزيد من التوتر، قبل أن تدخل سلطنة عُمان على الخط.
وساطة تقليدية تعيد الهدوء النسبي
وأكدت وزارة الخارجية العمانية، في بيان رسمي، أن جهود الوساطة التي قادتها أسفرت عن تفاهم بين الطرفين لخفض التصعيد، والتزام متبادل بعدم استهداف الآخر، بما في ذلك الامتناع عن استهداف السفن الأمريكية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
البيان العُماني أشار إلى أن الهدف من الاتفاق هو «ضمان حرية الملاحة، وانسيابية حركة الشحن التجاري الدولي»، معرباً عن أمل السلطنة في أن تفتح هذه الخطوة الباب أمام حلول أوسع لمجمل القضايا الإقليمية.
المقاومة ضد إسرائيل
رغم إعلان الهدنة بين واشنطن والحوثيين، يظل الغموض قائماً حول مصير التصعيد الإقليمي، لا سيما مع استمرار الجماعة في تبني خطاب مقاومة لإسرائيل، واعتبار الصراع في غزة سببًا رئيسيًا لتدخلها البحري.
وهذا ما أكده عبد السلام، حين شدد على أن وقف الهجمات لا يشمل إسرائيل، ما يعني أن الصراع قد يستمر في مسارات موازية، وقد يعيد إشعال المواجهة مع القوات الأمريكية أو حلفائها في حال تطورت الأمور عسكرياً في غزة أو محيطها.
تناقض بين التصريحات والتحركات
في المقابل، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (في تصريحات اعتبرها البعض محاولة للاستثمار السياسي) أن الحوثيين «استسلموا» وأن الضربات الأمريكية ستتوقف مقابل وقف الجماعة هجماتها. لكن لم يصدر حتى الآن تأكيد رسمي مماثل من إدارة بايدن، التي ظلت تؤكد على استمرار حماية الملاحة الدولية دون الانجرار إلى حرب شاملة.
تهدئة أم استراحة محارب؟
يبدو أن اتفاق التهدئة يمثل لحظة اختبار لكل الأطراف. فبينما تسعى واشنطن إلى نزع فتيل أزمة باتت تكلّفها عسكرياً وسياسياً، لا تزال جماعة الحوثي متمسكة بخطاب المواجهة الإقليمية، وتُبقي على إسرائيل ضمن أهدافها المعلنة. كما أن مستقبل هذه الهدنة مرهون بتطورات الحرب في غزة، وبتوازنات إقليمية تتجاوز البحر الأحمر إلى عمق الصراع الإيراني - الأمريكي.
وبينما تُظهر الوساطة العُمانية نجاحًا دبلوماسيًا محدودًا، يبقى السؤال الجوهري: هل يمثل هذا الاتفاق بداية خفض دائم للتصعيد، أم مجرد هدنة مؤقتة في معركة أوسع لم تُحسم بعد؟.