الصين تؤكد دعمها لإيران قبيل جولة مفاوضات نووية جديدة مع واشنطن في روما

تشهد أزمة البرنامج النووي الإيراني مرحلة حساسة من التوتر والمفاوضات المتقطعة، وسط تحولات دولية متسارعة وتداخل مصالح القوى الكبرى. وفي هذا السياق، تأتي التصريحات الصينية الأخيرة، التي أدلى بها وزير الخارجية وانغ يي خلال لقائه مع علي شمخاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، لتعكس دعماً سياسياً واضحاً لطهران، يتجاوز الإطار الدبلوماسي التقليدي نحو تأكيد موقف استراتيجي يتقاطع مع مواقف روسية مماثلة.
الدعم الصيني: موقف استراتيجي لا محايد
أشادت بكين بالتزام إيران المعلن بعدم السعي لتطوير أسلحة نووية، مع التأكيد على أهمية استمرار التعاون بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية. هذا الموقف، وإن بدا ظاهرياً حريصاً على الاستقرار الدولي، يعكس في جوهره رغبة الصين في موازنة النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط، واستثمار الورقة النووية الإيرانية كورقة ضغط في مواجهة واشنطن ضمن صراعات جيوسياسية أشمل تشمل التجارة، تايوان، والتواجد العسكري في آسيا.
الصين، بالتعاون مع روسيا، كانت قد أكدت في بيان مشترك صدر في مارس الماضي، على حق إيران في تطوير برنامج نووي سلمي، مع الدعوة الصريحة لإنهاء العقوبات الأميركية أحادية الجانب. وهذا التطابق في الموقف يعكس تكوّن محور صيني – روسي داعم لإيران، يتحدى بشكل غير مباشر النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.
مسار المفاوضات: جولات متعددة وأدوار وسيطة
المفاوضات بين طهران وواشنطن لا تزال تجري بصورة غير مباشرة، وبوساطة عمانية، ما يبرز غياب الثقة بين الطرفين، رغم التصريحات التي تصف اللقاءات بـ"البنّاءة". الجولة الرابعة المرتقبة في العاصمة الإيطالية روما، تُمثل استمراراً لسلسلة من اللقاءات التي عُقدت في كل من مسقط وروما في الأسابيع السابقة.
اللافت أن إيران تسعى إلى توسيع طاولة الحوار، عبر اقتراح اجتماع مع الترويكا الأوروبية (فرنسا، بريطانيا، وألمانيا)، ما يعكس رغبة في كسب غطاء أوروبي أوسع، أو على الأقل التخفيف من حدة الضغوط الأميركية. غير أن استمرار عمليات تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60%، وهي نسبة تقترب كثيراً من عتبة الـ90% اللازمة لصنع سلاح نووي، يثير الشكوك الدولية، ويغذي موقف واشنطن المتشدد.
الرد الأميركي: تصعيد بالعقوبات واستراتيجية “الضغط الأقصى”
في المقابل، واصلت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب (وفق النص الأصلي، بالرغم من أن ترمب لم يعد في الحكم حالياً، مما يوحي أن النص يعود لفترة سابقة) سياسة "الضغط الأقصى" على طهران، حيث أعلنت وزارة الخزانة الأميركية عن فرض عقوبات جديدة طالت شبكة إيرانية – صينية متهمة بتزويد الحرس الثوري بمكونات لصناعة وقود الصواريخ الباليستية.
يُظهر هذا الإجراء مدى التداخل بين البرنامج النووي الإيراني وبرنامجها الصاروخي، وهو ما يُثير قلق واشنطن والدول الغربية، التي ترى أن تطوير الصواريخ قد يكون وسيلة محتملة لإيصال رؤوس نووية مستقبلاً. ويعكس هذا الربط توجهاً أميركياً لتوسيع نطاق المفاوضات، ليشمل القدرات العسكرية والصاروخية الإيرانية، لا مجرد تخصيب اليورانيوم.
أزمة مستمرة وسط تحولات دولية
الأزمة النووية الإيرانية لم تعد قضية منع انتشار الأسلحة فحسب، بل تحوّلت إلى ملف جيوسياسي يتقاطع مع مصالح قوى دولية وإقليمية. الصين، بدعمها المتزايد لطهران، تسعى لإعادة تشكيل موازين القوى الدولية، فيما تتمسك الولايات المتحدة بسياسة الردع والضغط والعقوبات الاقتصادية.
في المقابل، تحاول إيران لعب دور "الضحية المتعاونة"، لتكسب وقتاً وتُراكم إنجازات في ملفها النووي، مستفيدة من انقسام المواقف الدولية، وتراجع الحسم الأميركي بسبب انشغالات عالمية أخرى.
أزمة إيران النووية تُراوح مكانها بين وعود دبلوماسية متكررة، وتطورات تقنية تُنذر بانفجار محتمل، في ظل غياب اتفاق شامل ومستدام. ويبقى مستقبل هذه الأزمة رهن قدرة القوى الدولية على تجاوز الحسابات الآنية، والعودة إلى مقاربة تحقق الأمن النووي دون تهديد استقرار الإقليم بأسره.