اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

هدنة بلا منتصر.. ملامح الصراع الخفي بين إيران وأمريكا

حرب
حرب

يعد إعلان وقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة وإيران، بوساطة قطرية وجهود روسية، تتويجًا لتحركات سرية جرت في الكواليس خلال الأسابيع الماضية. هذا الاتفاق، وإن بدا مفاجئًا، إلا أنه يؤكد صحة ما تسرّب مرارًا من أن ثمة قنوات تواصل قائمة، وإن كانت غير معلنة، بين الطرفين، خاصة مع نفي طهران المتكرر لأي تواصل من هذا النوع، في محاولة للحفاظ على صورة "الرفض المطلق" للحوار مع من ينتهك سيادتها. المفارقة أن هذا النفي لم يكن مصحوبًا بأي رد جدي على الإهانات المتكررة التي تعرضت لها.

وقف إطلاق النار

أما من جهة واشنطن، فإن رضاها بل وسعيها الحثيث لبلورة اتفاق لوقف إطلاق النار، رغم امتلاكها القدرة على تسديد ضربات أشد لإيران، يكشف بوضوح أن الولايات المتحدة لا تزال ترى في إيران طرفًا وظيفيًا مهمًا في معادلة المنطقة. وهذا يعزز ما خالف به البعض من المراقبين الرأي السائد، بأن الخط الاستراتيجي الأميركي ليس القضاء على إيران كدولة، وإنما إبقاؤها فاعلة ضمن حدود يمكن التحكم بها. وقد حاول الرئيس ترامب التوفيق بين رغبته في "تأديب" النظام الإيراني، عقابًا على تمرده الشخصي عليه، وبين حفظ الدور الإيراني الوظيفي، فنجح جزئيًا في إرضاء ذاته وتنفيذ سياسة بلاده.

إسرائيل، بدورها، لم تخرج من التصعيد منتصرة بالكامل، رغم ما ألحقته من أضرار مادية جسيمة بطهران. فالهجمات كشفت عن حدود القوة الدفاعية الإسرائيلية، وسقطت صورة "إسرائيل المحصّنة"، التي لطالما سعت تل أبيب وواشنطن معًا إلى ترسيخها. هذا الانكشاف الإستراتيجي، ولو لم يعترف به علنًا، سيظل هاجسًا لدى صناع القرار الإسرائيليين.

لا مهزوم

أما إيران، فرغم ما تعرضت له من ضربات، فقد نجحت في تجنب الظهور بمظهر المهزوم بالكامل. إذ رفضت الذهاب إلى طاولة التفاوض تحت وابل القصف، ونجحت في تحسين موقعها التفاوضي عبر الصمود والمناورة. واتضحت مجددًا نزعتها البراغماتية، حيث ظهر بوضوح التباين بين خطابها الشعبوي المتشدد، وسلوكها السياسي الواقعي، الذي يقبل التفاهم مع الخصوم حين تفرض الوقائع ذلك. ويبدو أن ضربة قاعدة العديد، ورغم رمزيتها، لم تكن إلا تعبيرًا عن هذا التوازن المحسوب بين الخطاب والممارسة.

أما على الصعيد النووي، فلا يمكن القطع بصحة التصريحات الأميركية حول تدمير القدرات النووية الإيرانية. فثمة مؤشرات على أن طهران احتفظت بجزء من مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، مما يطرح تساؤلات جدية حول مدى تأثير الضربات على البرنامج النووي فعليًا.

وبالنظر إلى برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني ونفوذ طهران الإقليمي، فإن الوضع الراهن لا يبدو مواتيًا لفرض أي شروط قسرية. فلا إسرائيل ولا أمريكا تملك الآن أدوات الإكراه الكافية لفرض التنازلات التي تطمحان إليها.

من جهة أخرى، كشفت هذه الحرب عن واقع الدول العربية. فقد تبين أن في إمكانها أن تكون فاعلة، وأن ما تحتاجه ليس القدرات بل الإرادة السياسية. فالمشهد أوحى بأن بناء مشروع عربي متماسك يمكن أن يغير التوازنات، غير أن الواقع يُنذر بأن غياب هذا الحسم قد يترك المجال مفتوحًا أمام مشاريع إقليمية غير عربية للهيمنة على مصير المنطقة.

في المقابل، ستسعى إيران ومن يناصرونها أو يتعاطفون معها إلى تصوير ما جرى على أنه انتصار، وتقديم إيران كحامية للإسلام والممانعة، رغم التناقضات التي ظهرت خلال الصراع. وهنا تأتي مهزلة ضربة قاعدة العديد، لا بوصفها عملًا عسكريًا فحسب، بل ككاشف لفجوة كبيرة بين التصريحات والحقائق، وهو ما يجب أن يُستثمر من قبل مناهضي المشروع الإيراني في توعية الرأي العام بخفايا اللعبة.