الزلزال الصامت.. حرب الأيام الـ12 تكشف الوهم الإسرائيلي وتكرّس الردع الإيراني

لم تكن حرب الأيام الاثني عشر مجرّد اشتباك عابر أو تصعيد تقليدي في سياق الصراع المزمن في الشرق الأوسط؛ بل جاءت بمثابة اختبار حاسم أعاد رسم موازين القوى في المنطقة، كاشفًا عن هشاشة ما كان يُروَّج له باعتباره التفوق العسكري الإسرائيلي المطلق، ومظهِّرًا تراجعًا أمريكيًا اضطراريًا فرضته موازين الردع الجديدة، لا قناعات دبلوماسية.
منذ بدايتها، حملت هذه الحرب ملامح الارتباك من الجانب الإسرائيلي-الأمريكي، حيث سعت واشنطن وتل أبيب - بسرعة لافتة - إلى فرض هدنة، ولكن بشروط الضعيف لا المنتصر. ولم يكن ذلك وليد حسن نية، بل نتيجة طبيعية لخسائر فادحة أصابت الداخل الإسرائيلي، سواء في البنية التحتية المدنية، أو على الصعيدين العسكري والنفسي، حيث تعرضت تل أبيب وسواها من المدن لعمليات قصف منتظم أدت إلى نزوح آلاف المستوطنين في مشهد غير مسبوق منذ نشأة الكيان.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بعد أن أدرك حجم الفشل الذي مُنيت به قواته، عاد ليستنجد بشبكة علاقاته الدولية، وعلى رأسها إدارة دونالد ترامب، في محاولة لإعادة تدوير الأزمة عبر قنوات وساطة قديمة وجديدة، سعيًا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه سياسيًا وإعلاميًا. لكنه لم يحقق هدفًا واحدًا من الأهداف المعلنة للحرب: لا تعطيل برنامج إيران النووي، ولا إسقاط النظام الإيراني أو حتى إضعافه.
جولة صدامية
هذه الجولة الصدامية أثبتت مجددًا ما حذّر منه كثيرون: لم تعد إسرائيل قادرة على خوض حروب طويلة أو امتصاص موجات الاستنزاف. فآلتها الحربية التي تجيد الضرب، تعجز عن الصمود عندما تواجه ردًا حقيقيًا في عمقها. أما جيشها الذي طالما تم تصويره كـ"لا يُقهر"، فقد ظهر مكشوفًا: طائرات لا تحسم، وقبة حديدية لا ترد، وقيادات عسكرية تتاجر بالوهم داخل مجتمع متهالك نفسيًا، ينهار تحت وقع القصف.
في المقابل، أثبتت إيران أنها تمتلك مفاتيح الردع الاستراتيجي، ليس فقط عبر القصف الصاروخي، بل عبر القدرة على تهديد مصالح الخصوم في نقاط حيوية كالقواعد الأمريكية ومضيق هرمز. هذه الخيارات المتدرجة والمعايرة بعناية جعلت من الضربات الإيرانية أدوات ضغط سياسي بقدر ما هي أدوات ردع عسكري.
وليست نتيجة هذه الحرب مجرد "تعادل سلبي" كما قد يحاول البعض تصويره، بل هي هزيمة صريحة للطرف الذي فشل في تحقيق أهدافه، وانتصار معنوي واستراتيجي للطرف الذي صمد وفرض قواعد جديدة للاشتباك. إنها هزيمة لمن ظن أن بإمكانه حسم المعركة سريعًا، ونصرٌ لمن برهن أن النفس الطويل والاستعداد للتضحية هما مفتاح الكلمة العليا.
النتائج الأوضح ظهرت في الداخل الإسرائيلي: اضطراب سياسي، تآكل في ثقة الجمهور، وموجة من الانتقادات الحادة تطال الحكومة ونتنياهو شخصيًا، الذي فشل في إدارة المعركة كما فشل في تسويق دوافعها.
وهكذا، تحوّل "الجيش الذي لا يُقهر" إلى ما يشبه "النمر من ورق" الذي وصفه الزعيم الصيني ماو تسي تونغ قبل عقود. فالنصر لا يُقاس بعدد الطلعات الجوية، بل بقدرة المجتمع على الصمود، وهو ما افتقر إليه الكيان هذه المرة.
لقد أظهرت الأيام الاثنا عشر أن الحروب القصيرة قد تكون كاشفة في عمقها أكثر من الحروب الممتدة. وإذا كان الهدوء الحالي مطلوبًا بشدة في إسرائيل، فهو أقرب إلى استراحة قسرية تسبق عاصفة داخلية تهدد بإطاحة القيادة الحالية، وإعادة خلط الأوراق على مستوى الإقليم.
ويبقى السؤال الكبير: ماذا لو انتصرت إسرائيل؟ هل كانت ستتوقف عند طهران؟ أم كنا سنشهد تصعيدًا يتدحرج نحو غزة، أو بيروت؟ إن كبح هذا التمدد ليس نصرًا لإيران وحدها، بل لحالة إقليمية كاملة كانت مهددة بالانفجار.