اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

ترامب وإيران.. الضربة التي خطط لها الإعلام ونفذها البنتاغون في ظل رئيس متردد

ترامب
ترامب

لم تكن ضربة ترامب لإيران مجرد رد فعل عسكري تقليدي، بل مثّلت ذروة مسار طويل من التوترات، لعب فيه التضليل والخطاب السياسي والإعلامي أدوارًا محورية. تقرير "نيويورك تايمز" كشف عن كواليس قرار الضربة باعتباره مزيجًا غير مسبوق من السياسة الداخلية، والتأثير الإعلامي، والتخطيط العسكري بالغ التعقيد، مما رسم مشهدًا غير مألوف في صناعة القرار العسكري الأميركي.


منذ البداية، بدا أن خطاب ترامب العلني المتردد كان يخفي وراءه واقعًا مختلفًا. فقد أوحى للرأي العام، داخليًا وخارجيًا، بأن الإدارة الأميركية تفسح المجال أمام الدبلوماسية، بينما كانت الخطط الميدانية تسير بسرعة في الكواليس. البيت الأبيض أعلن عن "مهلة أسبوعين"، لكنها لم تكن أكثر من غطاء دعائي، في حين كان البنتاغون قد أتمّ استعداداته ونشر وحدات التموين والدعم في مواقعها.


الأخطر أن ترامب لم يعتمد فقط على المعلومات الاستخباراتية أو التقديرات العسكرية، بل تأثر بشكل مباشر بما يُبث عبر الإعلام المحافظ. أصوات مثل تاكر كارلسون وبراين كيلميد، بل وحتى تعليقات مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، كانت تشكّل له مؤشرًا لاتخاذ قرارٍ بحجم ضربة عسكرية استراتيجية. ما كشفته الصحيفة هو أن المزاج الشخصي للرئيس الأميركي لحظيًا قد يتفوق على الحسابات الأمنية في توجيه قرارات مصيرية.


في قلب هذه العملية، تكشفت استراتيجية تضليل متقنة: سرب من القاذفات B-2 أُرسل علنًا باتجاه المحيط الهادئ، مع تشغيل أجهزة التتبع، بينما تحرك السرب الفعلي في مسار سري شرقًا نحو أهدافه. هذا التكتيك ضاعف من عنصر المفاجأة، وأربك أنظمة الرصد الإيرانية. العملية بُنيت على خداع متعدد الطبقات: سياسي، إعلامي، وعسكري، يُعيد إلى الأذهان أساليب الحرب الباردة.


تقرير "نيويورك تايمز" أضاء أيضًا على الهوة بين البيت الأبيض والبنتاغون. المؤسسة العسكرية، رغم تنفيذها واحدة من أدق العمليات الجوية، كانت قلقة من تصريحات ترامب العلنية على منصة "تروث سوشال"، والتي هددت بسرية الخطة. حتى أن أحد الضباط الكبار وصف الرئيس بأنه "أكبر تهديد لأمن العمليات"، في موقف يُبرز عمق التوتر داخل أجهزة الدولة.


رغم النجاح التكتيكي للعملية في استهداف منشآت نطنز وفوردو وأصفهان، فإن التقييمات الاستخباراتية كانت أكثر تحفظًا من لهجة ترامب المنتشية. الأضرار وقعت، نعم، لكنها لم تكن شاملة أو حاسمة. فالبرنامج النووي لم يُشلّ كما زعم الرئيس، وما زالت إيران تحتفظ ببنية قادرة على التعافي أو حتى التسريع من وتيرة التخصيب.

أهداف عسكرية


ما كشفه التقرير هو أن الضربة لم تُبنَ فقط على أهداف عسكرية، بل على رهانات انتخابية صريحة. ترامب، المحاصر داخليًا في معارك سياسية وضغوط استطلاعات، كان يبحث عن نصر عاجل يُعيد له زخم القيادة. هذه الرغبة في "استعراض القوة دون الغرق في مستنقع حرب مفتوحة" أدت إلى تحديد أهداف محدودة، واستبعاد التعرض لشبكات النفوذ الإقليمي الإيراني أو وكلائه.


لكن العملية طرحت سؤالاً أكثر إلحاحًا: ماذا بعد الضربة؟ التقرير أكد أن الإدارة لم تملك تصورًا متماسكًا لليوم التالي، لا دبلوماسيًا ولا أمنيًا، ما أثار قلقًا واسعًا داخل البيت الأبيض والبنتاغون على حد سواء. التقديرات أشارت إلى أن طهران قد ترد بطرق غير تقليدية، تشمل الهجمات السيبرانية أو عبر الميليشيات المتحالفة معها.


كذلك سلّط التقرير الضوء على الدور الإسرائيلي غير المعلن، حيث كشفت الوثائق أن تنسيقًا عسكريًا عميقًا تم مع تل أبيب، شمل ليس فقط اختيار الأهداف، بل توقيت الضربة أيضًا. هذا التنسيق أعطى انطباعًا بأن واشنطن كانت تتحرك ضمن استراتيجية أوسع بدأت مع التصعيد الإسرائيلي، ولم تكن فقط بصدد توجيه "صفعة موضعية".

موضوعات متعلقة