مخاوف أمريكية من حرب طويلة الأمد مع إيران

في مشهد متوتر ومشحون، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من المكتب البيضاوي، عن ما وصفه بـ"النجاح الكبير" للعملية العسكرية التي استهدفت منشآت نووية داخل إيران. غير أن صورة النصر الظاهرة في خطابه لم تعكس حقيقة الأجواء داخل أروقة إدارته، حيث تسود حالة من القلق البالغ والتحسب لاحتمال رد إيراني عنيف، بحسب ما كشفته مجلة "بوليتيكو".
الضربة التي نفذتها قاذفات B-2 الأمريكية، تعد الأخطر والأكثر جرأة خلال فترة ترامب، وهي تمثل تحولًا استراتيجيًا لافتًا في سياسته الخارجية التي لطالما تغنت بتجنب التورط في حروب جديدة، خاصة في الشرق الأوسط. المفارقة أن هذا العمل العسكري قد يضع الولايات المتحدة على مسار صدام طويل المدى مع إيران، وهو ما حذّر منه مسؤولون داخل الإدارة، حيث قال أحدهم: "لا نعلم إلى أي مدى سيقودنا هذا الطريق نحو تورط مستمر"، مشيرًا إلى أن الهدف المُعلن هو "تحييد القدرة النووية والتركيز لاحقًا على الحلول الدبلوماسية".
الفرصة النادرة والانزلاق المحتمل
ترامب، بحسب مصادر مطلعة في البيت الأبيض، بات يرى في الضربة فرصة تاريخية للقضاء على القدرات النووية الإيرانية من دون الحاجة إلى إرسال قوات برية أو تعريض حياة الجنود الأمريكيين للخطر المباشر. هذه الرؤية تعكس قناعة متزايدة لديه بأن الضربة "الدقيقة للغاية" قد تمثل انتصارًا عسكريًا وسياسيًا، دون كلفة بشرية فادحة.
ومع ذلك، فإن تلك القناعة تصطدم بواقع إقليمي معقد، إذ يشير أحد المطلعين إلى أن البنتاغون نفسه يقدّر أن تدمير منشآت إيران النووية بالكامل يتطلب حملة جوية مكثفة تمتد لشهر كامل، نظرًا لطبيعة تلك المنشآت المدفونة تحت الأرض وانتشارها الجغرافي الواسع.
رد محتمل وأهداف أمريكية مكشوفة
وفق تحليل "بوليتيكو"، فإن السيناريو الأكثر أهمية اليوم يتمثل في طريقة رد طهران. فمع وجود أكثر من 40 ألف جندي وموظف أمريكي في الشرق الأوسط، فإن أي تصعيد من الجانب الإيراني قد يضع هؤلاء في قلب دائرة الخطر. وبينما ترى الإدارة أن الضربات الإسرائيلية المتتالية أضعفت قدرة طهران على الرد الفوري، إلا أن الاحتمال لا يزال قائماً لتصعيد إيراني عبر وكلائها الإقليميين، أو عبر عمليات مباشرة.
أحد السيناريوهات المطروحة، وفقًا لمصادر في الإدارة، هو أن تختار إيران ردًا محدودًا يفتح الباب أمام مسار دبلوماسي مؤقت، وهو ما قد يشكل مخرجًا من الأزمة دون الدخول في مواجهة مفتوحة. لكن في المقابل، فإن مقتل عدد كبير من الأمريكيين – في حال وقع – سيخلق ضغطًا سياسيًا داخليًا لا يمكن تجاهله، ما سيدفع نحو تدخل أمريكي أوسع.
البيت الأبيض والكونغرس.. فجوة في التنسيق
رغم أن مسؤولي البيت الأبيض أشاروا إلى أنهم أطلعوا قيادات الكونغرس من الحزبين على نية توجيه الضربة، إلا أن عدة شخصيات ديمقراطية بارزة، من بينها النائب جيم هايمز، نفت علمها المسبق بالعملية. الأمر الذي أعاد إحياء جدل دستوري مزمن بشأن صلاحيات الحرب وسلطة الرئيس في اتخاذ قرارات عسكرية منفردة دون الرجوع إلى الكونغرس.
حتى زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، لم يتلق سوى إخطار شكلي خالٍ من التفاصيل، بينما تم إعلام حلفاء واشنطن الأوروبيين في الناتو بشكل أكثر وضوحًا.
ورغم أن توقيت الضربة أثار مفاجأة لدى بعض المراقبين، فإنها في جوهرها تتسق مع خط ترامب الثابت برفض امتلاك إيران لسلاح نووي. وقد أعاد تأكيد ذلك بلهجة صارمة عقب الهجوم، قائلاً: "لن أسمح بحدوث ذلك، هذا الأمر لن يستمر".
إلا أن الثمن السياسي والعسكري لم يتضح بعد. فبينما يتحدث الرئيس بلغة النصر، تتحدث إدارته بلغة الحذر. وإذا كان ترامب يطمح لاستخدام هذا التصعيد كورقة تفاوض لفرض شروطه، فإن عليه أولًا عبور مرحلة الرد الإيراني دون انزلاق إلى حرب شاملة قد تجر المنطقة والعالم نحو فوضى لا تحمد عقباها.