كيف تموّل إسرائيل حرب غزة عبر الأسواق الأميركية؟

في خضم واحدة من أكثر الحروب دموية وطولاً في تاريخ الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، نجحت إسرائيل في جمع ما يزيد على 5 مليارات دولار من بيع السندات في السوق الأميركية، في رقم يُعد قياسياً مقارنة بالفترات السابقة. هذا التمويل جاء في وقت تمر فيه إسرائيل بضغوط مالية شديدة نتيجة حربها المستمرة على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023.
بحسب وكالة "بلومبرغ"، فإن هذا الرقم يعادل أكثر من ضعف ما جُمع في فترات مماثلة قبل الحرب، ويعكس تحوّلاً حاداً في مسار تدفق الأموال إلى إسرائيل، التي اضطرت حكومتها للاقتراض بكثافة لتغطية نفقات الحرب. فقد بلغ إجمالي الاقتراض الإسرائيلي خلال عام 2024 وحده حوالي 75.9 مليار دولار، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ الدولة العبرية. ويتوقع نائب رئيس قسم التداول في بورصة تل أبيب أن تحتاج الحكومة لجمع 43.7 مليار دولار إضافية خلال العام الحالي، مما يسلط الضوء على الضغوط المتزايدة على المالية العامة.
وفي الوقت الذي تتصاعد فيه الدعوات الدولية لوقف الحرب نتيجة الأزمة الإنسانية الكارثية التي خلفتها، إذ تشير التقديرات إلى مقتل أكثر من 54,677 فلسطينياً وإصابة 125,530 آخرين، وتحول غالبية سكان القطاع إلى لاجئين بلا مأوى، فإن إسرائيل تعتمد بشكل متزايد على السوق الأميركية كمصدر تمويلي "آمن".
الوسيط الرئيسي لهذه السندات هو كيان "سندات إسرائيل" المسجَّل في الولايات المتحدة منذ عام 1951، وهو يتبع لوزارة المالية الإسرائيلية لكنه يتمتع بهيكل مستقل. يتم بيع السندات مباشرة للأفراد، إضافة إلى مستثمرين مؤسسيين مثل حكومات الولايات والمقاطعات. وتُعد مقاطعة "بالم بيتش" في فلوريدا أكبر مشتري منفرد، إذ تملك حالياً ما يقارب 700 مليون دولار من السندات الإسرائيلية.
ورغم عدم وجود سوق ثانوية لتلك السندات – ما يعني أن حامليها لا يمكنهم بيعها مجدداً – إلا أنها تجذب المستثمرين نظراً لعوائدها التي تتراوح بين 4.86% و5.44%، وخاصة على آجال استحقاق الخمس سنوات.
دعم مالي غير مسبوق
بحسب داني نافيه، رئيس مجلس إدارة "سندات إسرائيل"، فإن أحداث 7 أكتوبر "غيرت كل شيء"، وأطلقت موجة من الدعم المالي غير المسبوق من قبل المؤسسات الأميركية، التي وجدت في هذه السندات وسيلةً تجمع بين المكاسب المالية والتعبير السياسي عن دعم إسرائيل.
لكن في المقابل، فإن هذا التمويل يطرح أسئلة أخلاقية واقتصادية في آنٍ معاً. فحسب "واشنطن بوست"، تواجه إسرائيل خطر عزلة اقتصادية متنامية بفعل الضغوط الغربية المتزايدة بسبب الحصار المفروض على غزة والانتهاكات التي رافقت الحرب. كما أن التصنيفات الائتمانية لإسرائيل بدأت بالتراجع، وسط انخفاض عائدات الضرائب وارتفاع مستويات الإنفاق العسكري بشكل غير مستدام.
مشهد متناقض
إن الصورة الكاملة تكشف عن مشهد متناقض: دولة تخوض حرباً مُكلفة من الناحية الأخلاقية والإنسانية، لكنها تنجح في تعبئة الدعم المالي من سوق أميركية ما تزال تنظر إلى أمن إسرائيل باعتباره استثماراً سياسياً واستراتيجياً. وبينما يُقصف القطاع المحاصر وتُجفف الموارد الإنسانية، تبقى عجلة التمويل مفتوحة في الضفة الأخرى من العالم، دون مساءلة حقيقية عن تكلفة الدماء التي تُدفع من أجل استدامة هذه الحرب.
لا يعد جمع إسرائيل لمليارات الدولارات من بيع السندات خلال حربها على غزة، فقط مؤشراً على براعتها في استخدام أدوات التمويل السياسي، بل أيضاً يعكس التناقضات العميقة في مواقف بعض الدول الغربية، التي تموّل النزاع بشكل غير مباشر، بينما تدعو إلى إنهائه دبلوماسياً.