رسائل غامضة من قلب موسكو.. إذاعة يوم القيامة تعود إلى البث المشفّر

أثار النشاط المكثف المفاجئ لإذاعة UVB-76 الروسية – المعروفة بين هواة الراديو بلقب "الطنّانة" أو "إذاعة يوم القيامة" – جدلاً واسعاً في الأوساط العسكرية والإعلامية، بعد بثها سلسلة من الرسائل الصوتية المشفّرة، شملت ثماني إشارات غامضة أُرسلت في الأول من يونيو الجاري، بحسب ما أفاد به الصحفي الروسي المختص بالشؤون العسكرية ألكسندر روجين.

هذه الإذاعة، التي تبث منذ عام 1976 على موجة قصيرة، لطالما أثارت الريبة والفضول بسبب طبيعة بثّها غير المعتادة: صوت طنين متواصل يستمر طوال اليوم، يتخلله أحيانًا بث فجائي لكلمات مبعثرة أو أسماء وأرقام غير مترابطة، تُنقل بنبرة عسكرية آلية وباردة.

الرسائل الأخيرة، التي نشرتها صحيفة كومسومولسكايا برافدا الروسية، تضمنت كلمات تبدو بلا معنى مباشر، مثل: "أوتكوروي"، "مورزوفي"، "لوغوفوي"، "بتشيلودير"، "بويناك"، "فيزيلي"، "بوبسوليت"، و"بوبروسكوت"، قبل أن يُلتقط لاحقًا بث يحتوي على كلمتي "لوتشوتورغ" و"كوبنا". هذه المفردات غير المعروفة جعلت من محاولة تفسيرها لعبة محببة لدى المهتمين بالرصد الإذاعي حول العالم، لكنها في نظر بعض المحللين قد تحمل شفرات تشغيلية عسكرية أو رسائل تشفيرية لأغراض سرية.

الإذاعة كأداة ردع أم تضليل؟

أمام هذا الغموض المتراكم، يتجدد الجدل القديم حول وظيفة هذه الإذاعة الغريبة، خاصة مع تصاعد التوترات الجيوسياسية وتكثيف موسكو لتحركاتها العسكرية في أوكرانيا والمناطق الحدودية.
من بين أبرز الفرضيات المطروحة:
منظومة الاتصالات الاستراتيجية للطوارئ النووية:
يرى عدد من المحللين العسكريين أن UVB-76 قد تكون جزءًا من منظومة الاتصالات المرتبطة بالقوات النووية الروسية، تُستخدم لنقل رسائل تحذيرية أو تجريبية ضمن ما يعرف ببروتوكولات “الردع النووي”. هذا ما يفسر التسمية المتداولة إعلاميًا: "إذاعة يوم القيامة".

نظام "اليد الميتة":

من أكثر السيناريوهات إثارة، الربط بين هذه الإذاعة ومنظومة "اليد الميتة" (Dead Hand) أو "بريميتين"، وهي منظومة يعتقد أنها صُمّمت للرد التلقائي على هجوم نووي في حال تم تدمير القيادة العليا الروسية، بحيث تضمن "الرد المميت" حتى في حال غياب من يصدر الأوامر. رغم عدم وجود دليل رسمي على هذا الربط، فإن توقيتات بث UVB-76 ورسائلها الغامضة تعزز هذا التصور عند البعض.

اختبارات اتصالية أو تضليل استخباراتي:
على الجانب الآخر، يرى بعض الخبراء أن ما يحدث لا يتجاوز كونه اختبارات دورية لقنوات الاتصال العسكري الروسية، أو حتى جزء من عمليات "حرب نفسية" وتضليل موجهة للأجهزة الاستخباراتية الغربية، لجعلها تستنزف طاقتها في محاولة فهم رسائل لا معنى حقيقي لها.

توقيت لافت وسياق متوتر

اللافت أن النشاط الأخير للإذاعة بدأ يتصاعد منذ مارس الماضي، وتحديدًا مع اشتداد التصعيد العسكري في أوكرانيا، ثم عاد ليظهر بقوة في نهاية مايو وبداية يونيو، ما يدفع إلى تساؤلات حول العلاقة بين هذه الإشارات وتحركات ميدانية أو تغيرات في درجة الاستنفار الروسي.
إرسال ثلاث رسائل خلال 24 ساعة في نهاية مايو، ثم ثماني رسائل دفعة واحدة في الأول من يونيو، قد لا يكون مجرد مصادفة زمنية، بل يوحي بوجود ترميز مرتبط بحدث أو خطة عسكرية ما.

غموض مقصود

اللافت في قصة UVB-76 أن السلطات الروسية لم تصدر يومًا بيانًا رسميًا يوضح طبيعة هذه المحطة أو وظيفتها، رغم أنها تواصل البث منذ ما يقارب نصف قرن. هذا الصمت يُفسّر غالبًا على أنه جزء من استراتيجية الغموض المتعمدة، سواء لأغراض ردعية أو تشويشية أو حتى نفسية.