اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

الملاحقات القضائية وشبح الانتقام السياسي تطارد رؤساء كوريا الجنوبية السابقين

رئيس كوريا الجنوبية السابق
رئيس كوريا الجنوبية السابق

تمثل ظاهرة ملاحقة رؤساء كوريا الجنوبية السابقين قضائيًا بعد انتهاء ولاياتهم إحدى أبرز سمات النظام السياسي في البلاد، حيث تحوّلت الرئاسة إلى منصب محفوف بالمخاطر القانونية والاجتماعية، في ظل تراكم القضايا التي تتعلق بالفساد، إساءة استخدام السلطة، وحتى الخرافات المرتبطة بـ"الشامانية". ومن خلال تتبع الحالات المتكررة، يظهر أن الأمر لم يعد استثناءً، بل نمطًا سياسيًا متكرراً يعبّر عن أزمة أعمق في البنية الدستورية والثقافية والسياسية للدولة.

1. حالة مون جاي إن: نهاية الهدوء ما بعد الرئاسة

أحدث المنضمين إلى هذه الدوامة هو الرئيس السابق مون جاي إن، الذي كان يُنظر إليه نسبيًا على أنه "نظيف" مقارنة بأسلافه. إلا أن الاتهامات التي طالته مؤخراً بشأن تعيين صهره في شركة طيران بطريقة غير نزيهة، تُظهر أن حتى أكثر القادة حذرًا ليس بمنأى عن المحاسبة القانونية بعد انتهاء ولايته.

الملفت في قضية مون ليس فقط التهم، بل توقيتها وحيثياتها السياسية، إذ يراها حزبه ومناصروه "محاولة لإذلال رئيس سابق" في إطار الصراع بين اليمين المحافظ واليسار التقدمي في كوريا الجنوبية. هذا يعكس عمق الاستقطاب السياسي، وتحول المحاكمات إلى أدوات في لعبة النفوذ والانتقام.

2. ولاية رئاسية واحدة.. سلطة بلا رادع

يُجمع العديد من المراقبين على أن النظام السياسي الكوري الجنوبي، رغم ديمقراطيته الظاهرية، لا يزال يعاني من تركة "الرئاسة الإمبراطورية"، حيث يُمنح الرئيس سلطة شبه مطلقة لمدة واحدة غير قابلة للتجديد. هذا النظام يحفّز الرؤساء على استغلال ولايتهم القصيرة لتحقيق أكبر قدر ممكن من النفوذ والمكاسب، وربما تصفية الحسابات، دون الخشية من عقاب فوري.

ولكن بمجرد انتهاء الولاية، يسقط الرئيس من عليائه، ويصبح عرضة للملاحقة دون حماية سياسية، ما يجعل المنصب نفسه مغامرة محفوفة بالمخاطر القانونية.

3. الشامانية وسماسرة النفوذ: الوجه الخفي للسلطة

واحدة من أكثر المفارقات اللافتة في النظام الكوري، هو تأثير الشامانية أو ما يسمى بـ"وسطاء الروح" على القرار السياسي، حيث كشفت تقارير عن تورط بعض الرؤساء في استشارات غير رسمية مع "شامان" لهم تأثيرات مالية وسياسية مشبوهة. في حالة الرئيس الحالي يون سوك يول، تشير المزاعم إلى تورطه مع شامان يُعتقد أنه ساهم في توجيه قراراته الانتخابية وربما السياسية، ما يضرب مصداقية المؤسسات الرسمية، ويُظهر هشاشة التمييز بين الدين، الخرافة، والسياسة.

4. دائرة الانتقام السياسي: الكل خاسر

تشير البنية السياسية في كوريا الجنوبية إلى استمرار نظام "الفائز يأخذ كل شيء"، ما يجعل كل استحقاق انتخابي معركة وجودية. في غياب آليات التسوية السياسية، ومع ثقافة اجتماعية لا تغفر "فقدان الوجه"، تغدو المحاسبة القانونية أداة للثأر السياسي لا للعدالة الموضوعية.

الباحثون يرون أن البلاد تدور في حلقة مغلقة من الانتقام، حيث يُسخّر القضاء لتصفية الحسابات بين المعسكرات المتناحرة، ما يُضعف الثقة في العدالة ويعمّق الاستقطاب السياسي. المفارقة أن الجميع يُقرّ بالحاجة إلى إصلاح دستوري شامل – كتمديد عدد الولايات الرئاسية أو تقليص صلاحيات الرئيس – لكن لا أحد يتخلى طوعًا عن السلطة عندما يصل إليها.

5. ديمقراطية فتيّة تحت التهديد

رغم كل ذلك، لا يمكن إنكار أن كوريا الجنوبية حققت قفزات ديمقراطية واضحة مقارنة بماضيها الاستبدادي، فالمساءلة القانونية للرؤساء – حتى لو اتسمت أحيانًا بالانتقائية – تعكس في جانب منها قوة الرأي العام وإرادة المواطنين في فرض رقابة شعبية على السلطة.

غير أن التحدي الحقيقي يكمن في كسر هذه الدورة المفرغة من الانتقام، ووضع أسس دستورية وسياسية تؤمّن التوازن بين السلطة والمساءلة، دون تحويل كل رئيس سابق إلى خصم محتمل أمام القضاء.

موضوعات متعلقة