حكومة جديدة في فرنسا تحت قيادة فرنسوا بايرو.. استجابة للأزمات السياسية أم بداية لمزيد من عدم الاستقرار؟
أعلنت الرئاسة الفرنسية، يوم الإثنين، عن تشكيل حكومتها الجديدة بقيادة فرنسوا بايرو، وهو التعيين الرابع لحكومة فرنسية خلال عام واحد والسادس في عهد الرئيس إيمانويل ماكرون. هذه الحكومة الجديدة تأتي في وقت حساس للغاية، وسط تخوفات بشأن قدرتها على الصمود في ظل الأزمات السياسية التي تمر بها البلاد. ووفقاً للبيان الصادر عن قصر الإليزيه، فقد تم تشكيل الحكومة الجديدة بعد مشاورات مكثفة بين رئيس الوزراء الجديد، فرنسوا بايرو، والرئيس ماكرون. وأوضح البيان أن أول اجتماع للحكومة الجديدة سيعقد في 3 يناير المقبل.
تشكيلة الحكومة الجديدة
شملت التشكيلة الحكومية الجديدة بعض الشخصيات القديمة إلى جانب بعض الوجوه الجديدة. حيث تم الإعلان عن بقاء وزير الخارجية جان نويل بارو في منصبه، وهو المنصب الذي شغله في الحكومة السابقة. كما احتفظ سيباستيان ليكورنو بحقيبة وزارة الجيوش التي شغلها منذ عام 2022. ومن ضمن التعيينات الجديدة، تم تعيين إريك لومبارد وزيراً للاقتصاد والمال والسيادة الصناعية والرقمية، بينما احتفظت آني جنيفارد، المنتمية لليمين الفرنسي، بحقيبة وزارة الزراعة.
الحكومة الجديدة شهدت عودة رئيسي الوزراء السابقين إليزابيت بورن ومانويل فالس إلى الساحة السياسية. حيث تم تكليف إليزابيت بورن بتولي وزارة التعليم، بينما سيتولى مانويل فالس وزارة الأقاليم ما وراء البحار. في خطوة أخرى مثيرة، تم تعيين جيرالد دارمانان، الذي شغل منصب وزير الداخلية سابقًا، في حقيبة وزارة العدل. وفي قرار مثير للجدل، تم الاحتفاظ ببرونو ريتايو في منصب وزير الداخلية، رغم شخصيته المثيرة للجدل داخل الأوساط السياسية الفرنسية. وقد بررت الحكومة ذلك بجهوده المستمرة في مكافحة الجريمة، الهجرة، والاتجار بالمخدرات، وخاصة في أرخبيل مايوت الفرنسي.
أسباب تعيين فرنسوا بايرو وملامح عدم الاستقرار السياسي
فرنسوا بايرو، الذي يشغل منصب زعيم حزب "موديم" الوسطي المتحالف مع حزب الرئيس ماكرون، تم تكليفه بتشكيل الحكومة في 13 ديسمبر بعد حجب الثقة عن سلفه ميشال بارنييه، نتيجة مبادرة من اليسار وأقصى اليمين. وكان بارنييه قد شغل منصب رئيس الحكومة لثلاثة أشهر فقط، ما يعكس حالة عدم الاستقرار السياسي التي تعيشها البلاد منذ فترة طويلة. وكُلّف بايرو بتشكيل حكومة بعد موجة من الاستقالات والتحديات السياسية، حيث تسعى الحكومة الجديدة إلى مواجهة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالبلاد.
فرنسا تمر بأزمة سياسية غير مسبوقة، منذ أن دعا الرئيس ماكرون في الصيف إلى انتخابات تشريعية مبكرة، والتي أسفرت عن برلمان منقسم تمامًا بين ثلاث كتل متناحرة: التحالف اليساري، المعسكر الرئاسي، وأقصى اليمين. ولا يملك أيّ من هذه الكتل أغلبية مطلقة، مما جعل تشكيل الحكومة الجديدة أمرًا معقدًا. وعلى الرغم من الجهود المبذولة من بايرو لتشكيل حكومة متماسكة، إلا أن هذه التشكيلة تحمل في طياتها العديد من التحديات.
الاحتجاجات والانتقادات الداخلية
من جهة أخرى، شهدت الحكومة الجديدة انتقادات واسعة من الأحزاب المعارضة. حيث رفض الحزب الاشتراكي المشاركة في الحكومة الجديدة، ملوحًا بحجب الثقة عنها. وأكد رئيس الحزب الاشتراكي، أوليفييه فور، في تصريح له لقناة "بي أف أم تي في" أن رئيس الحكومة، فرنسوا بايرو، "يضع نفسه بين يدي أقصى اليمين"، في إشارة إلى التأثير المتزايد للتيارات اليمينية المتطرفة في الحكومة. ولم تقتصر الانتقادات على الحزب الاشتراكي، بل سخرت رئيسة كتلة "فرنسا الأبية" (اليسار الراديكالي) في البرلمان، ماتيلد بانو، من الحكومة الجديدة، واعتبرت أنها تضم "أشخاصًا تم رفضهم في صناديق الاقتراع" وأن هذه التشكيلة تساهم في "انحدار البلد". بانو دعت أيضًا إلى حجب الثقة عن الحكومة واستقالة الرئيس ماكرون.
التحديات المتواصلة في فرنسا
تعيش فرنسا حالياً حالة من الانقسام السياسي، وهو ما يجعل قدرة الحكومة على الاستمرار في العمل تحت قيادة بايرو أمرًا مشكوكًا فيه. بالإضافة إلى التحديات السياسية، تعاني البلاد من أزمات اقتصادية، اجتماعية، وأمنية كبيرة، مما يزيد من تعقيد الوضع العام. كما أن انخفاض شعبية بايرو، حيث أظهرت استطلاعات الرأي أن 66% من المواطنين يعبرون عن استيائهم منه، يشكل تحديًا إضافيًا للحكومة الجديدة.
وعلى الرغم من محاولة الحكومة تضمين شخصيات من مختلف الأطياف السياسية لتجاوز الانقسامات الداخلية، فإن المستقبل السياسي لحكومة بايرو لا يزال غامضًا، حيث يترقب الجميع كيف ستتعامل هذه الحكومة مع الأزمات التي تواجهها البلاد.