اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارون مدير التحرير التنفيذي محمد سلامة
العالم بين التوتر والدعوات للسلام.. خريطة مواقف الدول تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني جزار داعش يقود المهمة الإيرانية في سوريا لاستعادة السيطرة على إدلب خطة ترامب للسلام في أوكرانيا.. التنازلات والضغوط بين موسكو وكييف نينوى بين شبح الماضي وقلق المستقبل.. هل تنجح العراق في تجنب تكرار سيناريو 2014؟ أمين مساعد البحوث الإسلامية: الإيمان أمان ويحذر الشباب من الانفتاح غير المسبوق بالهواتف الذكية كوريا الجنوبية على شفير الهاوية.. معركة الأحكام العرفية والشد والجذب السياسي أمين البحوث الإسلامية: قضية الاستخلاف في الأرض تقتضي تكريم الإنسان هل يفتح تقدم أنصار سيف الإسلام القذافي في الانتخابات البلدية الطريق لعودتهم السياسية؟ الجامع الأزهر: التعامل مع السنة النبوية يحتاج لمنهج علمي متوازن يفهم النصوص في سياقها ومقاصدها ماري لوبان تُسقط الحكومة الفرنسية.. أزمة سياسية تهدد عرش ماكرون دول الساحل الأفريقي تطلق مشروع الجواز الموحد رغم التحديات الأمنية والاقتصادية في يومهم العالمي.. ما حكم زواج ذوي ذوي الهمم من أصحاب القصور الذهني؟.. الإفتاء تجيب

التصوف الإسلامي في المجتمع السنغالي.. ولاء يتجاوز الحدود والزمان

 ضريح الشيخ أحمد بمب
ضريح الشيخ أحمد بمب

يشكل المجتمع السنغالي نموذجًا فريدًا في العالم الإسلامي، حيث تسود فيه الروحانية الإسلامية ممثلة في التصوف، ما جعله يبرز كأحد أكثر المجتمعات التصوفية في العالم. يحتضن السنغاليون الإسلام بنسبة 96% من السكان، وتتجلى العقيدة الأشعرية كركيزة إيمانية لهم، بينما يعتمدون الفقه المالكي مرجعًا في الأحكام الشرعية. لكن السمة الأبرز لهذا المجتمع هي ذلك الارتباط الوثيق بالتصوف، والذي أضحى جزءًا لا يتجزأ من الهوية الدينية والثقافية للسنغاليين.

التصوف في السنغال ليس مجرد ممارسة دينية أو ثقافة فرعية؛ بل هو نظام اجتماعي وروحي يتغلغل في أدق تفاصيل حياة الناس. وقد ذهب بعض الباحثين في وصف هذا التأثير إلى حد القول: "كل مسلم في ديارنا في السنغال تجده ينتسب بشكل أو بآخر إلى قيادة من القيادات الروحية التي هي صوفية". هذا الانتماء لا يتوقف عند حدود العقيدة والممارسة، بل يتعداه إلى مظاهر الحياة اليومية، من الاحتفالات والشعائر، وحتى العلاقات الاجتماعية والمصالح المادية.

ويبدو التصوف في السنغال كأنه القاعدة، وليس الاستثناء؛ فلا يكاد يُرى هناك فرد لا ينتمي إلى طريقة صوفية ما، ينتسب إليها بفخر، ويمارس طقوسها بانتظام، ويرى فيها مصدر تميزه ومكانته. بل إن الانتماء للطريقة الصوفية أصبح في كثير من الأحيان أسبق وأهم من التزام الشريعة ذاتها، ما يعكس الدور العميق الذي تلعبه الطرق الصوفية في تشكيل منظومة الولاءات والقيم في المجتمع.

ولم يقتصر تأثير التصوف على الداخل السنغالي فحسب، بل تجاوز الحدود الجغرافية، ليصبح ولاء السنغاليين للطريقة الصوفية جسرًا يصلهم بأوطانهم، حتى في المنافي البعيدة مثل أوروبا وأمريكا. هؤلاء المهاجرون يحملون معهم انتماءهم الروحي، ويُبقون على ارتباطهم بطقوس وقيادات طرقهم الصوفية، وكأنها الحبل السري الذي يربطهم بجذورهم الثقافية والدينية.

هذا التقرير الصحفي يسعى إلى استكشاف عمق تأثير التصوف في المجتمع السنغالي، ودوره في تشكيل هوية البلاد الروحية والاجتماعية، بالإضافة إلى رصد امتداداته العابرة للحدود، التي تجعل منه نموذجًا فريدًا للإسلام الصوفي في العصر الحديث.

إن المجتمع السنغالي يتوزع على أربع طرق صوفية رئيسية، وهي التيجانية، والمريدية، والقادرية، واللايينية. وعلى الرغم من أن الطريقة التيجانية هي الأكثر انتشارًا من حيث عدد الأتباع في السنغال، إلا أن الطريقة المريدية تتميز بكونها الأكثر تنظيمًا ونفوذًا وتأثيرًا. ويرجع هذا التفرد إلى كون الطريقة المريدية الطريقة الوحيدة التي تأسست على يد شخصية سنغالية، وهو الشيخ أحمد بمب، ما جعل انتشارها يقتصر بشكل كبير على السنغال ومنطقة غرب أفريقيا، دون أن تمتد جغرافيًا إلى مناطق أخرى إلا من خلال أتباعها الذين هاجروا إلى الخارج حاملين انتماءهم الصوفي.

اصل اسم "المريدية":

ويعد اسم "المريدية" مشتق من مفهوم "الإرادة"، وهو مصطلح محوري في الفكر الصوفي. يعرف الإمام القشيري في رسالته "الإرادة" بأنها البداية في طريق السالكين، وأول منازل الساعين إلى الله تعالى. وقد سُميت الإرادة بهذا الاسم لأنها تمثل مقدمة لكل عمل، حيث إن العبد لا يفعل شيئًا إلا إذا أراده أولاً. ووفقًا لهذا الاشتقاق، يُطلق على المريد من له إرادة للوصول إلى الله سبحانه وتعالى.

ظهرت الطريقة المريدية في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي (1893م) وبداية القرن الرابع عشر الهجري، خلال فترة الاحتلال الفرنسي للسنغال. أسسها الشيخ أحمد بمب، المعروف أيضًا بـ"الخديم" أو "خادم الرسول"، وهو أحمد بن محمد بن حبيب الله بن محمد الخير بن حبيب الله بن محمد الكبير بن سعيد بن عثمان.

استقطبت الطريقة المريدية آلاف السنغاليين الذين التفوا حول الشيخ أحمد بمب، ما أثار قلق الاحتلال الفرنسي. تصاعد التوتر بسبب وشايات عن امتلاك الشيخ وأتباعه أسلحة، فقرر الفرنسيون نفيه مرتين؛ الأولى إلى الجابون عام 1895م حتى نوفمبر 1902م، والثانية إلى موريتانيا من يونيو 1903م حتى أبريل 1907م. وبعد عودته، وُضع قيد الإقامة الجبرية حتى وفاته عام 1927م.

الشيخ بمب وفتوى جهاد النفس

أصدر الشيخ أحمد بمب فتوى تحصر الجهاد في "جهاد النفس" والابتعاد عن الماديات، وهو ما ساهم في تهدئة الفرنسيين تجاهه. ويُعتبر الشيخ أحمد بمب من أبرز أقطاب الصوفية في القرن العشرين، إذ ركز على بناء الإسلام في القلوب وتعزيز الإيمان دون اللجوء إلى السلاح، كما أشار إليه معاصروه.

المدريدية.. أكثر الطرق انتشارا ونفوذا

تُعتبر الطريقة المريدية أكثر الطرق الصوفية نفوذًا وتأثيرًا في السنغال وإفريقيا، سواء على الصعيد السياسي أو الاجتماعي. ومن أبرز مظاهر هذا النفوذ ارتباط رئيس السنغال السابق عبد الله واد بالطريقة، حيث كان أحد أتباعها المخلصين. حرص واد على حضور احتفالات الطريقة، وكان من أبرز المشاركين في زيارة مدينة طوبى خلال الذكرى الـ116 لنفي الشيخ أحمد بمب. كما بادر إلى تقبيل يد خليفة الشيخ أحمد بمب، ووعد بتحويل احتفال "ماغال" إلى عيد وطني يشارك فيه جميع السنغاليين، في خطوة تُظهر سعيه للحصول على دعم أتباع الطريقة ومريديها في حملاته الانتخابية.

امتداد التأثير الحغرافي:

إلى جانب مكانتها الدينية، تمثل الطريقة المريدية قوة اجتماعية واقتصادية واسعة التأثير في المجتمع السنغالي، حيث ينتمي إليها العديد من رجال الأعمال البارزين، مما يعزز دورها في بلد يعاني من الفقر وأزمات اقتصادية مزمنة. ولا يقتصر نفوذ الطريقة على السنغال، بل يمتد إلى دول إفريقية أخرى مثل نيجيريا والكاميرون وجنوب السودان، مما يجعلها ظاهرة صوفية بارزة تتجاوز حدودها الجغرافية.

موضوعات متعلقة