اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

مقامرة ترامب الكبرى.. ضرب إيران بين ربح تكتيكي وخسارة استراتيجية

إيران
إيران

في خطوة جسورة أثارت جدلاً داخليًا ودوليًا، أقدم الرئيس الأميركي دونالد ترامب على توجيه ضربة عسكرية إلى إيران، في لحظة بدت وكأنها ذروة في سلسلة مقامرات سياسية وعسكرية تشبه، في رمزيتها، سلوكه السابق كمالك كازينوهات. بيد أن هذه الضربة لم تكن مقامرة مالية عابرة، بل رهانًا جيوسياسيًا على استقرار منطقة الشرق الأوسط ومستقبل العلاقات الأميركية–الإيرانية–الإسرائيلية، في لحظة تتسم بتشابك غير مسبوق بين التكتيك السياسي والخيارات العسكرية.


رهانات مكشوفة


تصرف ترامب كصاحب رهان يعلم أن المكافأة المحتملة قد تكون عالية، لكنها مشروطة بسيناريو دقيق وهش: نجاح في فرض وقف إطلاق نار بين إيران وإسرائيل، مع الحد الأدنى من التدخل الأميركي. وهو ما تحقق مؤقتًا، إذ أعلن عن تهدئة، بدا للوهلة الأولى أنه انتزعها بقوة الردع لا التصعيد. كما وصف فراس مقصد من مجموعة أوراسيا: "لقد راهن، ومضت الأمور في صالحه".
لكن سرعان ما ظهرت أولى التشققات، حين قامت إسرائيل بهجوم جديد على طهران بعد ساعات فقط من إعلان التهدئة. وعبّر ترامب صراحة عن "إحباطه" من هذا التطور، مما يبرز حقيقة أن عناصر النزاع ليست بالكامل تحت سيطرته، بل تتأثر بتعقيدات تحالفاته الإقليمية.

حسابات الداخل الأميركي


في الداخل، يخوض ترامب معركة أخرى: إقناع الرأي العام بجدوى هذا التصعيد. فوفق استطلاع أجرته "رويترز/إبسوس"، فإن 36% فقط من الأميركيين أيدوا توجيه ضربة للبرنامج النووي الإيراني، وهو رقم يعكس حجم الحذر الشعبي من أي تورط جديد في الشرق الأوسط. الأكثر خطورة، أن شعبيته انخفضت إلى 41%، وهو أدنى مستوى في ولايته الثانية، مع تراجع حاد في الثقة بسياساته الخارجية.
هذه المؤشرات تعكس شكوكًا متنامية بشأن التزام ترامب بتعهده الأساسي خلال حملته الانتخابية: إنهاء "الحروب الأبدية". وبإقحامه الولايات المتحدة في صراع جديد، يُضعف جوهر حركة "اجعلوا أميركا عظيمة مجددًا"، ما قد تكون له آثار سلبية على التيار الجمهوري بأكمله في الانتخابات المقبلة، كما أشار كريس ستايروالت من معهد المشروع الأميركي.


أثر استراتيجي بعيد المدى


الضربة على إيران لا يمكن فصلها عن سياق أوسع من المغامرات السياسية والاقتصادية التي خاضها ترامب. من سياسات جمركية أربكت الأسواق، إلى حملات متشددة ضد الهجرة، وصولاً إلى تفكك بعض دوائر مستشاريه الاقتصاديين والتكنولوجيين.
ومع ذلك، فإن نجاحه – إن تحقق – في تقليص الطموحات النووية الإيرانية، قد يمنحه إرثًا لا يُستهان به، في منطقة كانت ولا تزال شبحًا يطارد رؤساء أميركا. لكنه إن أخفق، فإن الإرث ذاته قد ينقلب عليه، لا سيما إذا انفلتت الأمور مجددًا وتدهورت إلى حرب شاملة، أو انهيار إضافي في التحالفات الإقليمية والدولية.


في الميزان


الضربة الأميركية لإيران ليست مجرد رد فعل عسكري، بل لحظة اختبار حقيقية لفكرة "الردع دون تورط"، و"الهيمنة بدون تكلفة". في الوقت الراهن، قد يكون ترامب "كسب الجولة"، لكن بقاءه في الحلبة يعتمد على ما إذا كان وقف إطلاق النار سيصمد، وعلى قدرته على التوفيق بين الرغبة في الحسم والرغبة في الانسحاب.
فالمقامرة الكبرى ما زالت مستمرة، ولعبة التوازن بين الداخل والخارج، السلام والحرب، الوعود والوقائع، لم تنتهِ بعد.