اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

تصريحات كيلوغ تفجّر الجدل: هل تُعيد واشنطن رسم خريطة الناتو؟

الناتو
الناتو


في تطور لافت قد يُعيد خلط أوراق التحالفات الاستراتيجية في أوروبا الشرقية، أثار الجنرال كيث كيلوغ، مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى أوكرانيا، موجة من الجدل بعد إقراره بمشروعية المخاوف الروسية إزاء توسع حلف شمال الأطلسي (الناتو) شرقاً، وتأكيده أن الولايات المتحدة "لا تريد أوكرانيا" في الحلف العسكري.
تصريحات كيلوغ، التي أدلى بها في مقابلة مع شبكة «ABC News»، جاءت تعليقاً على تقرير لوكالة «رويترز» أفاد بأن روسيا تطالب بضمانات مكتوبة تحول دون توسع الناتو ليشمل جمهوريات سوفييتية سابقة مثل أوكرانيا وجورجيا ومولدوفا. وفي سياق تعليقه، وصف كيلوغ المطالب الروسية بأنها "مشروعة"، ما شكّل تحولاً لافتاً في خطاب إدارة ترامب السابقة، التي طالما تبنّت لهجة تصعيدية في مواجهة النفوذ الروسي.
تراجع ضمني عن نهج توسعي؟
بتأكيده أن عضوية أوكرانيا في الناتو "ليست مطروحة على الطاولة"، لم يكتف كيلوغ بإبداء تفهم لمخاوف موسكو، بل ألمح أيضاً إلى وجود توافق ضمني داخل الحلف ذاته، قائلاً إن هناك على الأقل أربع دول أعضاء في الناتو لا تؤيد ضم أوكرانيا. وبما أن الانضمام يتطلب موافقة 32 دولة، فإن الباب يبدو موصداً – ولو مؤقتاً – أمام كييف.
تصريحات كيلوغ لا تعكس مجرد موقف شخصي، بل تعبّر عن رؤية ترامب نفسه، إذ أكد المبعوث أن الموقف من توسع الناتو يتحدد "وفقاً لوجهة نظر الرئيس ترامب"، ما يشير إلى احتمال أن تعود هذه الرؤية إلى الواجهة في حال فاز ترامب بولاية رئاسية جديدة.

الملف الأوكراني بين الواقع والمفاوضات


وفي ما بدا أنه تلميح إلى إمكانية إعادة تشكيل النظام الأمني الأوروبي، كشف كيلوغ عن جهود لعقد محادثات في إسطنبول، تهدف إلى دمج رؤى كل من روسيا وأوكرانيا في وثيقة تفاوضية موحدة. وأشار إلى أن ممثلين عن الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وبريطانيا سيشاركون في صياغة هذه الوثيقة، ما يمنح المفاوضات بعداً دولياً واسعاً.


ومع أن كيلوغ لم يفصح عن طبيعة مضمون الوثيقتين الأوكرانية والروسية، فإن مشاركة كبار مستشاري الأمن القومي الغربيين توحي بأن الأمر يتجاوز مجرد تفاهمات محلية، ويمضي باتجاه إعادة تعريف حدود النفوذ ومجالات الحماية الأمنية في القارة الأوروبية.

ترامب وبوتين: خيبة أمل أم موقف استراتيجي؟


رغم كل ما سبق، لم يخفِ كيلوغ خيبة أمل ترامب من سلوك موسكو، وخصوصاً من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، واصفاً تصرفاته بأنها "غير عقلانية". كما دان القصف الروسي للمدن الأوكرانية، مشيراً إلى أن هذه الأعمال العسكرية تسببت في سقوط نحو 1.2 مليون ضحية بين قتيل وجريح من الجانبين، وفقاً لتقديرات غير رسمية.
هذه اللهجة المختلطة – التي تجمع بين تفهم الهواجس الروسية وانتقاد سلوك موسكو الميداني – تعكس توازناً دقيقاً تسعى إدارة ترامب (أو على الأقل محيطه الدبلوماسي) لتحقيقه: تفادي الحرب المفتوحة مع روسيا، دون التخلي كلياً عن دعم أوكرانيا.
بين الواقعية السياسية ومصالح النفوذ
تكشف تصريحات كيلوغ عن محاولة أميركية لإعادة تموضع استراتيجية في الملف الأوكراني، تقوم على التوازن بين تفادي التصعيد مع روسيا وبين حماية المصالح الغربية في شرق أوروبا. إلا أن هذا النهج قد يُنظر إليه في كييف وحلفائها الأوروبيين على أنه "تراجع ناعم"، وربما يحمل مؤشرات على تحول في العقيدة الأمنية الأميركية إذا عاد ترامب إلى الحكم.
وفي المحصلة، فإن ما يبدو كضربة قضائية أو دبلوماسية لمسار دعم أوكرانيا، قد يكون في جوهره نذيراً بتغيير أوسع في هندسة العلاقات الدولية، يُعاد فيه تعريف من هو "الحليف" ومن هو "الخط الأحمر".