منظمة الصحة العالمية تدق ناقوس الخطر: غزة تحتضر

في كلمة حافلة بالإنسانية والقلق، وجّه المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس، نداءً عاجلاً إلى إسرائيل يطالبها بإظهار الرحمة في تعاملها مع قطاع غزة، منتقداً ما وصفه بـ"التدمير المنهجي" للمنظومة الصحية في القطاع. جاء ذلك خلال مداخلته في الاجتماع السنوي لمنظمة الصحة العالمية، حيث سلط الضوء على حجم الكارثة الإنسانية الناتجة عن الحرب المستمرة، محذرًا من تداعياتها الكارثية ليس فقط على الفلسطينيين، بل وعلى إسرائيل نفسها.
غيبريسوس، الذي يتحدث من خلفية شخصية مرتبطة بالحرب واللجوء، لم يكتف بالتحليل السياسي، بل أدخل البُعد الإنساني والنفسي في خطابه، حين شبّه معاناة سكان غزة بمعاناته الشخصية خلال طفولته في إثيوبيا، متحدثاً عن اضطراب ما بعد الصدمة الذي يسمح له بتخيل مشاعر الخوف والجوع والحرمان التي يعيشها سكان القطاع. تصريحاته جاءت في وقت تعاني فيه غزة من انهيار شبه كامل للبنية التحتية الصحية، في ظل استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية والحصار المشدد منذ أكثر من سبعة أشهر.
الموت يقترب
المدير التنفيذي لبرنامج الطوارئ في المنظمة، مايكل راين، أضاف أبعادًا أخرى للكارثة، محذرًا من أن أكثر من مليوني شخص في غزة "معرّضون لخطر الموت الوشيك"، مشددًا على ضرورة إنهاء التجويع واستئناف النظام الصحي فوراً، بالتوازي مع إطلاق سراح الرهائن. في مشهد يلخص انهيار المنظومة الإنسانية، اضطر عدد من المستشفيات، من بينها أربعة رئيسية، إلى تعليق خدماتها نتيجة لتصاعد الأعمال العدائية أو وقوعها في مناطق إخلاء قسري.
وفقًا لبيانات منظمة الصحة العالمية، فإن 94% من مستشفيات غزة تضررت جزئيًا أو كليًا، بينما تعاني المناطق الشمالية من انعدام شبه تام للرعاية الصحية. ورغم الجهود المستمرة لإعادة تأهيل المستشفيات، إلا أن "الدورة التدميرية"، كما وصفتها المنظمة، تستمر: فالمرافق التي يُعاد تجهيزها تُقصف مجددًا، مما يشير إلى وجود نمط ممنهج من تدمير البنية التحتية الصحية.
أوضاع كارثية
الوضع الإنساني يتجاوز مجرد أرقام وإحصاءات: عدد الأسرة المتوفرة في مستشفيات غزة لا يتجاوز 2000 سرير، وهو رقم لا يمكن أن يلبي أبسط احتياجات السكان في ظل الكارثة المتعددة الأوجه التي تعصف بالقطاع. النقص الحاد في الإمدادات الطبية، وغياب الوقود، ونُدرة المياه والغذاء، كل ذلك يضع النظام الصحي على شفا الانهيار الكامل.
نداء غيبريسوس لا يمكن فصله عن السياق السياسي الأوسع: فبينما تدّعي إسرائيل أن العمليات العسكرية تستهدف إنهاء تهديد أمني، تشدد منظمة الصحة العالمية على أن الحل الحقيقي لا يمكن أن يكون عسكريًا، بل سياسيًا، وأن استمرار الحرب لا يجلب لإسرائيل الأمن بقدر ما يعمّق دائرة العنف ويُفاقم المأساة الإنسانية.
في هذا السياق، تمثل تصريحات منظمة الصحة العالمية صرخة في وجه الصمت الدولي، ودعوة صريحة لإيقاف نزيف غزة، ليس فقط من أجل الفلسطينيين، بل من أجل إنقاذ ما تبقى من إنسانيتنا المشتركة. الرحمة، التي دعا إليها تيدروس، لم تعد مجرد قيمة أخلاقية، بل ضرورة استراتيجية للبقاء، والاستقرار، والسلام الدائم.